إعلان

  • الحكرة في مقهى باليما


    مقهى باليما - لمن لا يعرفها- توجد في شارع محمد الخامس بالعاصمة المغربية الرباط، من الجهة الشرقية لمقر البرلمان المغربي، وحين تجلس بها تنظر مباشرة لمجلس ممثلي الأمة المغربية على بعد أمتار معدودات. حين أصل الرباط ، كما العادة دائما، يطيب لي الجلوس بها مع ثلة من الأصدقاء والزملاء لشرب ما أحل الله من شاي أو قهوة وأناول النادل الثمن المحدد للمشروب دون أن أبخل عليه بدريهمات أو ما يسمى بالعامية Pour boire ، كان الله في عون الضعفاء منا الذين يكدون ويجتهدون من أجل لقمة العيش، هكذا أقول دائما مع نفسي داعيا الله أن يجعلها صدقة في ميزان الحسنات . اللهم آمييييييين !!
    اليوم ذهبت للرباط مع الزميل محمد الشيكر وهو رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في بلدتي، وكان الغرض من السفر أن نأتي بالسيد أحمد المرزوقي أحد ضحايا سجن تزمامارت الرهيب ليحاضر حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب. دخلنا المدينة وكان الجو حارا زادت من حرارته أن كنا نبحث في الشوارع والأزقة عن ركن شاغر وآمن لتثبيت السيارة حيث وجدناه بعد ساعة من الوقت تقريبا، كان العرق يتصبب زخات، والعطش يستبد في يوم رمضاني كريم.
    وبعدها قضينا أكثر من ساعة في مكتبة دار الأمان نبحث ونفتش عما يتغذى به العقل، فملأ كل واحد منا كيسا بلاستيكيا من المجلات والكتب والروايات، أحسسنا بالعياء يهدنا، إلى درجة أن أصبحنا غير قادرين على تحريك الأرجل، كنت أتشهى دوشا باردا أو ساخنا لا فرق. بيني وبينكم أرجوكم هذا سر فلا تفشوه والمجالس أمانات، كنت أحس بداء " الملط" احتكاك لحم الفخذين مع ملوحة العرق، جعلتني أمشي مشية بطيئة وراقصة..كم كنت أتمنى أن أرمي سروالي وتباني وأدخل للدوش توا وألبس "دراعية" وأتمدد في انتظار أذان المغرب لأروي جوفي الظمآن!!
    لكن هيهات هيات نحن في وسط شارع محمد الخامس بالرباط، البرلمان مغلوقة أبوابه على يسارنا ومقهى "باليما" على يميننا مفتوحة أبوابها، ولم يكن سواها هو الملجأ ألأنسب، فجلس صديقي محمد ووضع محفظته على كرسي شاغر، أما أنا فما كدت أن أضع مؤخرتي على الكرسي حتى قال لي النادل وبكلام مهذب ولطيف : اسمحو لينا أسيادنا !!
    حاولنا تجاهله، فتجاهلنا هو أيضا، قلت لصديقي محمد: الحمد لله على الراحة..واه ..أرفض السفر نهارا في رمضان..
    قاطعني النادل: أخويا راني تكلمت معاك..سمحو لينا.
    قلت له ضاحكا: سامحك الله يا صاحبي.. الله يسامحك دنيا وآخرة... وما ذا فعلت بحقنا حتى تطلب المسامحة ؟!
    كنت أرمق عربيا ربما من الشام يدخن سيجارة المارلبورو..هو كذلك يضحك وإلى جانبه من الجهة اليمنى مجموعة من الأجانب الأوربيين... أو أمريكيين ..والله أعلم .
    جاء نادل آخر وطلب منا أن نغادر المقهى، ونصحنا، أو بالأحرى سخر منا كوننا صائمين ولا يصلح لنا أن نجلس في هذي المقهى رحمة برئتنا من آفة دخان السجائر.. فقال له صاحبي بأن هذا لا يهمنا ونحن نريد أن نستريح فقط كوننا مسافرين من خارج الرباط جئنا لقضاء أغراض شخصية وسنغادر بعد أقل من نصف ساعة فقط !!
    هذه المرة جاء رجل يبدو أنه هو المسؤول عن المقهى فقال: أخويا ..الخوت سمحوا لينا.. مع السلامة..صافي..وسالينا صافي الله يعاونكم..
    قاطعته: شف أخاي نحن نريد أن نجلس فقط أقل من نصف ساعة...
    - فقال: شف الشريف.. هذه الكراسي مخصصة فقط للقاطنين في الفندق..وافهمني اصاحبي..
    قلت له: هذي الكراسي هي نفسها التي أجلس عليها دائما حين أزور الرباط، لو كنت تريد فلوسا أعطيناها لك الآن ..
    قال: أخويا فلوسك زدها في راسك ..أنا بعد مني أصاحبي ..وافهم راسك...واعطيني التيساع..
    قالها وهو يهددني بضربي بلكمة... كنت أتحسسني وأتملى نفسي من رأسي إلى أخمص قدمي، وكذلك فعلت مع صديقي محمد..ربما قد يكون فينا ما يشين هذا المجلس "المبارك"، وجدتني إنسانا مغربيا عاديا يجلس مع مغربي ينشط في مجال حقوق الإنسان وهو إنسان مغربي عادي كذلك.. وتساءلت مع نفسي : ما الذي جعل هؤلاء المغاربة يطلبون منا أن نغادر مكانا عموميا في قلب شارع عاصمة المملكة الشريفة ؟ هو مجرد سؤال فقط بنية حسنة وشريفة أيضا...
    قال له صاحبي هو يحاول أن يقنعه بطريقة حقوقية : شف أخاي هذا مكان عمومي إذا أردت فلوسا أعطيناكها ..وإذا أردت ثمن مشروب أديناه لك ودعه عندك، الله يسامح ...نحن نريد أن نرتاح أقل من نصف ساعة...لك الخيار في تحديد الثمن..وسنقبله دون لجاج ولا جدال نحن نريد ... نريد أن نرتاح فقط..
    جاء أحد الأقنان ممن يشتغلون بالمقهى فأراد الاعتداء علينا، قمت من مكاني وأنا أحس بالحكرة من شدة نظرات الأجانب التي تخزر فينا وكأنها سيوف غادرة تتسلل إلى القلب وعبره إلى الحضارة والثقافة المغربية ...وأقسمت بأغلظ الأيمان مع نفسي أني "غادي نبوطو ولي ليها ليها" حتى أنتقم للكرامة المغربية المهدورة على أيدي هؤلاء الحثالة الذين يذلوننا نحن المغاربة ويجعلوننا أضحوكة للأجانب، وتذكرت أني سافرت أكثر من 100كلم، فرخصة الإفطار هي سلاح صالحي، هكذا كنت أظن وأعتقد، المهم سأنتقم من هؤلاء الحثالة، إحساس غريب تملكني تلك اللحظة الرهيبة ..غير أني تراجعت، وقلت سأساهم في تعزيز نظرة الأجانب كوننا نميل الى العنف والرهاب النفسي أكثر من الحوار بالرغم من أن سبله فشلت مع هؤلاء "الحكارة" وبالرغم أيضا من أني كنت أحس وصديقي محمد أن سكاكين العالم تمزقنا إربا إربا...تمزق كرامة وشرف وسمعة المغاربة جميعا !!
    فقلت لهم وأنا أهم بجمع كتبي وألم "الملط" يحرقني حتى كدت أن أتحرك حبوا كطفل صغير : اعلموا أنتم جميعا أن هذي هي الحكرة..نعم الحكرة...وما آلمني أكثر هو أن مغربيا هو من تسبب لنا في هذي الحكرة أمام أناس أجانب...وأنت أيها النادل تذكر أني كم مرة أعطيتك دراهم لعلمي أنك مجرد نادل مظلوم و "محكور" ها أنت اليوم وأنت أيضا يا السي بوعزة الحكيم (أقصد المسؤول عن المقهى) تجعلون الأجانب يضحكون ويتشفون بنا لأن الحكرة صدرت من مغاربة بحق مغاربة... فكيف نطالب من هؤلاء الأجانب احترام مشاعرنا ومقدساتنا وخصوصياتنا ؟؟!! أنت الحكارة ..أنتم من يساهمون في حكرة المغاربة !!


    -------------------------------


    اسمحو لي أيها القراء الكرام، كنت أود أن أكتب مقالا آخر، وكنت مخيرا بين ثلاثة مواضع...غير أن إحساسي اليوم بالحكرة وهي حكرة مغاربة في أرض الوطن، وفي مقهى باليما بالعاصمة المغربية الرباط بالذات ، جعلتني أحكي لكم هذي الحكرة...
    الله ينجيكم من الحكرة...آمييييييين!!


    نور الدين لشهب
    n.lechhab@gmail.com

0 التعليقات:

إضافة تعليق

رشحنا في دليل سفنتي للمواقع العربية

اعلان

صوت وصورة

الخروج من فم الثعبان