إظهار الرسائل ذات التسميات اراء و افكار. إظهار كافة الرسائل
إظهار الرسائل ذات التسميات اراء و افكار. إظهار كافة الرسائل
-
في الأزهر لا في معهد للرقص
مسخت الدولة الشمولية جامعة الأزهر ونزعت استقلاليتها وحولتها إلى ذراع تضرب باسم الأهواء الرسميةعلى لسان صحافي في جريدة "المصري" كان يُرافق شيخ الأزهر في جولة تفقدية لإحدى المعاهد الأزهرية أن شيخ الأزهر الطنطاوي أمر احدى طالبات الصف الثاني الإعدادي في أحد المعاهد الأزهرية بخلع نقابها، فرفضت الفتاة وقالت إن النقاب يسترها، وإنها لا تريد أن يرى أحد وجهها، فأجابها الشيخ "النقاب عادة وليس عبادة"، فأجابته الفتاة بأن النقاب ضروري وأن أباها قال لها ذلك، فردّ الطنطاوي عليها قائلاً: "أنا في الدين أعرَف منك ومن اللي خلفوكي"، ثم خلعت الفتاةُ النقاب خوفاً منه، ولما رأى وجهها قال جادّاً: "أمّال لو كنتي حلوة كنتي عملتي إيه؟".. فانهارت الفتاة من البكاء ولم تذهب إلى المعهد في اليوم التالي.بعيدا عن الجدل الفقهي حول النقاب والحجاب فإن الواقعة تعتبر جريمة في معايير الدين والخلق وحقوق الإنسان! السخرية والهمز واللمز حرام دينا مع الكبار فكيف بحق طفلة؟ لو أن طفلة ضبطت في جريمة سرقة هل يجوز السخرية منا واللمز والهمز فيها؟"هذا خلق الله" وسواء كانت الفتاة قبيحة أم فاتنة، فلا يجوز لومها أو محاباتها على شيء ليس من خيارها. والطالبة ليست في معهد للرقص الشرقي أو عروض الأزياء حتى تحاسب على مستوى جمالها الفتان.واجب المدرسة أي مدرسة أن تزرع الثقة بنفوس الأطفال غير الجميلين شكلا وتعليمهم أن الجمال الحقيقي هو جمال الروح المكتسب لا جمال الشكل الموروث.قبل قرن من الزمان كان النقاب علامة التمدن والحرية، والسافرة هي البدوية أو الفلاحة أو الأمة، وإلى اليوم ما يزال النقاب أصلا عند مشايخ السعودية وأفغانستان ومدن الشام مثل دمشق وحلب، ومع أن الأكثرية لا ترى وجوبه، إلا أنه يظل خيارا من حق المرأة أن تلتزم به إن أرادت. وقد جاء موقف نشطاء حقوق الإنسان المصريين متقدما على موقف الشيخ الطنطاوي.يقول حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن المسؤولين بالتعليم العالى وجامعة القاهرة يعاقبون الطالبات المنقبات وأسرهن بحرمانهن من السكن والغذاء المدعومين من الحكومة على أساس معتقدات الطالبات وأفكارهن.بينما اعتبر عادل رمضان، المسؤول القانونى بالمبادرة المصرية تصريحات الوزير وإجراءات المدينة الجامعية انتهاكا صريحا للحكم النهائى الصادر عن دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا والصادر فى 9 يونيو 2007، الذى قضى بعدم جواز فرض حظر مطلق على ارتداء النقاب فى الأماكن العامة بسبب مخالفة هذا الحظر لكل من الحرية الشخصية والحق فى المساواة المكفولين بموجب الدستور.مواقف شيخ الأزهر الإشكالية تضعف نهج الوسطية والاعتدال بقدر ما تقوي نهج التطرف والتشدد، والطالبة المسكينة التي تحولت إلى حطام ستفتش في الكتب عما يخطّئ الشيخ الذي دمر طفولتها وأهانها، وستسر لو وجدت من يكفره ولا يكتفي بتخطيئه!مسخت الدولة الشمولية جامعة الأزهر، ونزعت استقلاليتها العلمية والدينية والثقافية وحولتها إلى ذراع رسمية تضرب باسم الأهواء الرسمية. وقبيل فضيحة نزع النقاب البعيدة كل البعد عن الإنسانية والخلق والتمدن والحضارة والدين كانت فضيحة مصافحة مجرم الحرب الإسرائيلي شيمون بيريز. ولن تتوقف الفضائح بما أن السلطة راضية عن مشيخة الأزهر، ولو غضبت عليه الأمة بأسرها!
-
كم بيننا وبين التحضر والحضارة؟
كانت إسبانيا إلى حدود 1974 دولة في طريق النمو، وتنعدم فيها الديموقراطية، لكن الإسبان كانوا شعبا متحضرا، في حياتهم الاجتماعية والفكرية، رغم ضغط الكنيسة على الأفكار والحريات الشخصية، كان ذلك يرى في حياتهم اليومية وفي احتفالاتهم وعاداتهم وفي علاقاتهم الاجتماعية، وهذا منذ خروج العرب من الأندلس سنة 1492.
بين 1492 و1974 كان الإسبانيون ميالين إلى النظام واحترام مواطنيهم، بغض النظر عن الفوارق الطبقية التي جعلت الشعب فئتين، نبلاء وأشباه عبيد. شعب ميال إلى المعرفة والتأنق في المأكل والمشرب، وقد يعيب البعض على المتحضرين أكلهم أمام مائدة واسعة مرتفعة وباستقلالية في أواني الأكل بعضهم عن بعض، لأن في ذلك برودة في العلاقات الاجتماعية، لكن الحقيقة أن الأكل الجماعي من آنية واحدة هو الفوضى بعينها، حيث تصبح المائدة ميدانا للتنافس غير الشريف بين الأضراس القوية والضعيفة، بين بطيء الأكل وسريعه، بين صاحب الشأن ووضيعه. في إسبانيا انتبه الناس منذ قرون إلى أهمية الوادي الحار وتوزيع الماء على البيوت وغير ذلك (في مدينة وليلي كان هناك مجرى لصرف المياه وشبكة لتوزيع الماء في العصر الروماني بينما هناك قرى مغربية كبيرة مجاورة لوليلي اليوم محرومة من هذين المرفقين الحيويين).
الحضارة والتحضر غير مرتبطين بمستوى المعرفة أو الرفاه المادي أو التقدم التكنولوجي، فقد كان "الهنود الحمر" أكثر تحضرا من الأوروبيين الغزاة، والشيء نفسه يقال عن شعوب أمريكا الجنوبية التي هاجمها الغزاة الإسبان بوحشية. واليوم في المغرب تجد أستاذا جامعيا حاصلا على رخصة السياقة يجر أطفاله نحو النقطة الدائرية (rond point) وسط جنون السيارات، فماذا يعني ذلك؟ يعني أنه متعلم غير متحضر.
تقوم الدولة بمجهود كبير في تجهيز المؤسسات التعليمية بما يناسب الظروف الملائمة للتعلم (عند الإحداث) فيقوم التلامذة بتخريب رهيب لمؤسستهم عمدا، فيدمرون الصنابير ويقتلعون الزليج في المراحيض بعد أن يكسروا أبوابها، ثم يكسرون الطاولات والسبورات ويملأون الحيطان كتابات غير أخلاقية ويسرقون المصابيح ويكسرون الأزرار، لماذا؟ لأن آباءهم وأمهاتهم صنعوا ذلك في طفولتهم ولأن التربية على التحضر غير موجودة في المناهج المدرسية ولا في الحياة الاجتماعية.
حين أرجع إلى الكتب الفرنسية التي كانت مقررة عندنا إلى حدود 1978، (bien lire et comprendre) أجد أن بين الدروس حصصا ترفيهية على شكل ألعاب تدفع المتعلم إلى اكتشاف أخطاء الحياة الاجتماعية وتصحيحها، بمعنى أن الفرنسيين كانوا يهتمون بالتحضر منذ الأيام الأولى للدراسة. وقد تمنيت أن تربينا المدرسة المغربية منذ الصغر وفي كل مقرر لكل سنة، حتى للكبار، أصول الحياة الاجتماعية المتحضرة.
في كل يوم تخرج فيه إلى الشارع المغربي تجد فيه مظاهر انعدام التحضر، أطفال يشعلون النار في جريدة ويلقون بها في صندوق قمامة من البلاستيك، فتيان يتعاونون من أجل تحطيم عمود عليه إشارة "قف"، صاحب دراجة هوائية لا يعنيه الضوء الأحمر ولا الاتجاه الممنوع، كثلة من المواطنين تجتمع كالنحل أمام شباك التذاكر بمحطة القطار أو الحافلات دون صف أو نظام، امرأة تلقي بالأزبال من نافذة بيتها دون شعور بالذنب، سيارات بالمئات تسد الشارع لأن أصحابها ينتظرون فلذات أكبادهم أمام مدرسة خصوصية غير مبالين بالآخرين الذين لا علاقة لهم بالمدرسة ولا بفلذات الأكباد، تحرش جنسي واسع يمس المتبرجات والمتحجبات العفيفات والراغبات على حد سواء، عدائية غريبة بين السائقين فيما بينهم وبينهم وبين الراجلين، هؤلاء الذين لا يعترفون بالممرات الخاصة بهم، ولا السائقون يعترفون بها أيضا. راجلون يسيرون على مهل في الطريق السيار وكأنهم يخرجون من البيت إلى المطبخ، اعتداء على الملك العمومي من طرف الفقراء والأغنياء، حس وطني في الحضيض أهم مظاهره الهروب الجماعي إلى الجنسيات الأجنبية، وهي جناية يرتكبها الفقير والغني معا، تخريب شامل للثروة الغابوية من طرف الجميع، استهتار بالثروة المائية من طرف الميسورين مدنيين وبدويين….. واللائحة طويلة.
اليهود المغاربة الذين عاشوا قبل الإسلام في المغرب، كانوا أكثر تحضرا، في حياتهم الخاصة والأسروية والاجتماعية، كانوا دائما أقلية منظمة، تحترم ضوابط الحياة المتحضرة، فلا تراهم أبدا يمنعون أبناءهم من التعليم، ولا تراهم أبدا يتركون أسرتهم تعيش على الخبز والشاي بينما رب الأسرة يفتك بالشواء في الأسواق كما يفعل الكثير منا، لا تراهم أبدا يتناسلون كالأرانب دون قدرة مادية، لا ترى فيهم الرجل يتزوج امرأة ثانية بينما هو يكتري بيتا مع الجيران وأبناؤه وبناته يتجاوز عددهم الستة أو السبعة، لا يشربون الخمر بشكل فاضح فيدقون أعناق زوجاتهم وأبنائهم. للأسف لم نتعلم منهم شيئا، احتقرناهم واعتبرناهم خنازير يستحقون ذكر "حاشاك" مجاملة لبعضنا البعض، بينما هم يعملون في صمت ويهيئون أنفسهم لهجرة واسعة إلى إسرائيل و فرنسا وكندا وأمريكا، ولو كان القومجيون المغاربة (أصحاب الألسنة الطويلة حادة المضاء) أذكياء لما قهروهم بالتحرش العنصري الذي كانت نتيجته إغراق فلسطين بآلاف العقول والسواعد ممن يشكلون اليوم قوة عسكرية وسياسية وفكرية تعيث فسادا في الشرق الأوسط (حزب شاس مثلا).
هذا بحر من فيض، ولو شئنا أن نعدد مظاهر انعدام التحضر المغربي لما كفتنا آلاف الصفحات. ولعل التوسع الكبير للالتزام الديني عند المغاربة أن يتحول من الاهتمام بالشكليات إلى استغلال المعاملات من أجل تربية حضارية، وأنا شخصيا أفضل أن أعلم ابنتي كيف تمشي في الطريق على الإلحاح في اللباس الإسلامي وشكله ولونه وطوله وعرضه ودرجة لمعانه (لمعان الملابس والتصاقها بالجسد عندهم، دليل على الدعارة وسوء الخلق والميل إلى الفتنة).
نحتاج إلى القسوة مع أنفسنا والاعتراف بأننا شعب ثرثار متباه غارق في النفاق والكذب والادعاء والرياء مهمل للتربية وأصولها، ميال إلى الفوضى والسيبة، متلذذ بخرق القانون. نحن شعب أهمل تربيتنا السياسيون المتناحرون بينهم طويلا، وأفسد حياتنا الأغنياء الفاسدون، وحال بيننا وبين الحياة الكريمة الأقوياء ما فوق القانون، فماذا فعلنا لمواجهة هذه المظالم السياسية الاجتماعية الأخلاقية؟ نقتل بعضنا البعض كل يوم، ماديا ومعنويا، مرة بوعي ومرات دون وعي، فهل نحتاج لطبيب نفسي يشخص حقيقة الداء؟ نعم نحن كلنا مرضى "والله يجيب الشفاء للجميع".
-
"جمهورية الخلوي" بدلا من الدولة المستقلة
الموقف الكارثي غير المسبوق للقيادة الفلسطينية في التخلي عن التقرير الأممي لجولدستون، الذي يمهد لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين لم يكن مستغربا فهو حلقة في سلسلة لن تتوقف. وثمن التنازل التاريخي هو "رخصة خلوي"! سيحار المؤرخون في المستقبل عندما تبلى سرائر الوثائق وينكشف كثير من المستور (ليبرمان هدد بفضح المستور أثناء حرب غزة!) كيف تنحدر الطموحات الكبرى إلى مستوى نزوات صغيرة لرجال أعمال أغرار!لم يكن مطلوبا أن يستشهد مسؤولو السلطة بجوار أبنائهم، كما سعيد صيام في حرب غزة، ولم يكن متوقعا منهم أن يمضوا شيبتهم في السجن، كما أحمد سعدات. كان في الحد الأدنى مطلوبا منهم أن يتصرفوا كما ممثلي منظمات "الإن جي أوز" الذين يتلقون تمويلا من الأميركان. سيشكرون لو تبنوا موقف "هيومن رايتس ووتش" الأميركية.الموقف الطبيعي كان التماهي مع الموقف الإسرائيلي والأميركي رغبة في رخصة الخلوي، أو رهبة من تأخير صرف المستحقات! عقيدتهم المعلنة أن العدو هو المقاومة، أي الإرهاب سواء كانت حماس أم الجهاد أم كتائب الأقصى، والإسرائيلي سواء كان ليبرمان أم نتنياهو هو شريك في المعركة. هذا معلن وليس كشفا لوثائق سرية.لم تعد تنطلي على الفلسطينيين حكاية لجان التحقيق، تلك لم تنجح حتى اليوم في توجيه الاتهام للذين استشهد على أيديهم خيرة المجاهدين في أقبية الأجهزة الأمنية، فكيف ستوجه الاتهام للرئيس الفلسطيني الذي قال مندوبو المنظمة إنهم يتلقون التعليمات منه، وهل يعقل أن يتخذ قرار دولي خلسة ومن دون علم الرئيس أبي المؤسسات! جاء القرار بعد أن أحكم السيطرة على المنظمة وعلى فتح وعلى السلطة في انتخابات "ديمقراطية"!لا يدعو الوضع للتشاؤم، فصفقة "التشليط" على رأي الزميل عماد حجاج تزامنت مع صفقة شاليط، فالمقاومة المحاصرة المطاردة غير المعترف بها أميركيا تمكنت من منح الحرية لعشرين فتاة كن سيمتن في السجن أثناء التفاوض المديد. ومن دون رخصة خلوي ثانية يواصل أبناء غزة الحياة بكرامة، بينما أبناء القدس تحت الاحتلال يذودون عن الأقصى ويفدونه بأرواحهم.لا ينتهي نضال الشعب الفلسطيني بتغييب تقرير دولي، فكل القرارات الدولية منذ بدء الصراع كانت الولايات المتحدة تجهضها وتغيبها، اليوم انضم شريك جديد للدولة العظمى، ومن جلدة الضحايا وينطق باسمهم!لم يستسلم الشعب الفلسطيني، والمنظمة ليست شركة تحت التصفية، إنها أحد عناوين نضاله، وإن سرقت المنظمة فالنضال باق. والعالم لم يتخل عن شعب فلسطين، وفي حرب غزة تضامن العالم معها، وما تقرير القاضي الدولي "المؤجل" إلا صورة حقيقية لذلك التضامن، قلة تضامنت مع المجرمين سرا أثناء الحرب، وعلانية بعدها، أولئك لم يكونوا يوما فلسطينيين، إنهم تجار يريدون تكرار تجربة "جمهوريات الموز" بلغة العصر: "جمهوريات الخلوي" بديلا لدولة فلسطين. ولا أدري مقابل رخصة الخلوي الثالثة ماذا سيقدمون؟ياسر أبو هلالــــة
-
لغز مصير حكومة الذهبي وآليات إدارة الدولة
الاردن شعبا وحكومة بحاجة الى النظر في المرأة لرؤية الواقع كما هو من دون مساحيق التجميل التي غطت الصورة خلال السنوات الماضية.النخب السياسية المتناكفة، سيما رجالات الدولة السابقون، ينشغلون بشغف وللمرة المليون بـ "حدّوتة" بقاء أو رحيل حكومة الباشا نادر الذهبي، بينما تحتدم حرب "داحس والغبراء" بين أعضاء فريقه الاقتصادي في مجلس فقد بوصلته وتجانسه، قبل أن يكمل عامه الثاني في الدوار الرابع الشهر المقبل.هذه النخب تحاول فك لغز الالغاز القديم/الجديد؛ من سيكون رئيس الحكومة المقبل؟ يغيب عن بال غالبيتهم أن التغيير المرتقب لن يغير شيئا مهما كانت شخصية الرجل الذي سيشكل الحكومة، طالما بقيت معايير الاختيار وآلية التعيين من دون تغيير، وما لم يتخذ رأس الدولة قرار الشروع في إصلاحات سياسية تدريجية لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية.المطلوب إصلاحات حقيقية تبدأ بتغيير قانون الانتخاب الحالي تتبعها آلية تشكيل حكومات تعتمد على اسناد الكتل البرلمانية الكبيرة وتحاسب أمام الأقلية المعارضة وسلطة رابعة نزيهة.من الأفضل بعد اليوم إعطاء أي رئيس مكلف مطلق الحرية في اختيار اعضاء فريقه الوزاري، أقلّه فيما يتعلق بالشق الاقتصادي والسياسة الداخلية (مع الأخذ بالاعتبار ضرورة أن يكون وزير الخارجية مقبولا لدى القصر). بعد أن ينتقي أعضاء حكومته على أسس الكفاءة والنزاهة، ينشد رئيس الوزراء مباركة الملك عبد الله الثاني. وقد يستأنس برأي دائرة المخابرات العامة لدراسة ملفات المرشحين الشخصية، من أجل ضمان أسماء بعيدة عن الشبهات.بخلاف ذلك لن يستطيع أي رئيس أن يتحمل مسؤوليته الدستورية الكاملة. وستتواصل عملية تشتيت المرجعيات والاختباء وراء الملك، كما ستتكرر مقولة أن الوزير الإشكالي الفلاني هبط بأوامر من "فوق" أو من خلال تنسيبات "الدائرة"، ما يشتّت جهد محاسبة الرئيس، بموجب الولاية الدستورية.يتساءل أصحاب صالونات الشغب السياسي فيما إذا سيكلف الملك شخصية جديدة لتشكيل حكومة أم سيوافق للذهبي على تعديل يضبط من خلاله إيقاع فريقه المتناحر. فالشرخ بين أعضاء هذا الفريق لم يعد مخفيا. إذ يتندر العمانيون بقصّة سرت أخيرا حول قيام أحد الوزراء بشتم وتحقير زميلة له في غيابها خلال إحدى السهرات.التعديل، المعلق منذ أشهر، قد يعطي الرئيس أوكسجينا لعدة أشهر أخرى ريثما تنجلي الغيوم السياسية الإقليمية التي قد تتطلب تعديلا على استراتيجيات الدولة أو تغيير التكتيك السياسي.وقد يطلب من الرئيس الذهبي إعادة تشكيل حكومة جديدة، وهو الذي أجرى أول تعديل شكلي على طاقمه في الربيع الماضي.بصرف النظر عن هوية ساكن الدوار الرابع الجديد، عليه التعامل مع الأزمة الاقتصادية الداخلية المستفحلة والبحث عن مساعدات آخذة بالانحسار، بإستثناء الدعم الأمريكي الذي تخطى نصف المليار دولار هذا العام. ويرى دبلوماسيون أن تراجع المساعدات العربية يعود إلى طريقة إدارة الهبات وصرفها في أوجه انفاق إشكالية، معطوفا على ذلك التراجع المستمر والمقلق لهيبة الدولة و"خازوق" الاستحقاقات السياسية، الذي يطل برأسه يوما بعد يوم، وفي البال نجاح إسرائيل حتى الآن في لي ذراع الرئيس الأمريكي المتحمس باراك اوباما وإحباط التزامه الشخصي في حل الصراع العربي-الاسرائيلي من خلال إقامة دولة فلسطينية مستقلة. فالأردن يشعر بخيبة الأمل حيال تراجع فرص إقامة دولة متواصلة جغرافيا قابلة للنمو والحياة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام ،1967 وهو يواصل الجهاد سياسيا في سبيل ذلك لأنه يعتبره ضرورة لضمان أمنه واستقراره.واشنطن، بحسب ساسة ودبلوماسيين، ما تزال عاجزة عن تلبية الحد الأدنى لمطالب الجانب الفلسطيني وسائر العرب لاستئناف المفاوضات، يطالب العرب بتحديد مرجعيات عملية السلام، وقف سرطان الاستيطان الذي ما أنفك يقضم أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية تمهيدا لفرض سياسة الأمر الواقع وترحيل الحقوق السياسية والتاريخية للشعب الفلسطيني إلى أماكن أخرى من العالم، كما يحذرون من أن أوباما المحاصر بجبال من التحديات الداخلية والخارجية قد ينسحب من جهد السلام الشرق أوسطي بحيث يعود الفرقاء إلى مربع إدارة عملية السلام وتخفيض حدّة التوتر لسنوات أخرى بينما تتفاقم الأزمة وصولا إلى الانفجار.صورة المشهد الداخلي مقلقة. خيبة الأمل والتوجس ينتظمان غالبية المناسبات الاجتماعية وجلسات العزاء في مختلف المدن، البوادي والمخيمات. النقد والتجريح يطال شخصيات ومراكز قوى لطالما كانت خطا أحمر في ثقافتنا وعاداتنا وأدبيات حديثنا في العلن.رجل الشارع محبط، وهو مسكون بهم تأمين الحد الأدنى من متطلبات العيش، وتتواتر أعتصامات وأحداث شغب في أماكن أخرى من الوطن لتعكس أزمة في السياسات العامة، وفي إدارة شؤون البلاد والعباد؛ بينما تتداخل حدود وصلاحيات مؤسسات الدولة وأجهزتها بعد أن تحول منصب رئيس الوزراء في السنوات الماضية من سياسي-تنفيذي-حيوي إلى كبير موظفين وتحوّل دور الوزير إلى موظف حكومي مطواع فاقد للمبادرة تجنبا للعقاب.في الأثناء تتكرر انحرافات مواطنين صوب أخذ القانون بيدهم بسبب الترهل في تنفيذ القانون والالتزام بروحه. مواطنون يعتدون على الممتلكات العامة وعلى رموز الدولة السيادية بدافع الانتقام بعد أن خذلتهم ممارسات من يجلسون في مقاعد السلطة. الناس باتت تتحرك هذه الأيام لأسباب سياسية تتعلق بغياب المساواة في الحقوق والواجبات المدنية واستمرار هدر المال العام والواسطة والمحسوبية والفساد الإداري والمالي.خلال الأيام الماضية اعتصم أبناء عجلون احتجاجا على تأخر انجاز مشروع تطوير مسجدهم الكبير. وسجل إطلاق نار صوب كوخ شرطة في الطفيلة كما أضرمت به النيران، فيما تواصلت الاحتجاجات في معان على ما يصفه السكان المحليون بتجاهل السياسات الرسمية للمدينة وسكانها. قبل ذلك اشتعل مسلسل المواجهات الدامية بين بعض أبناء عشائر في شمال، جنوب، شرق وغرب المملكة أفضت الى تكسير ممتلكات عامة وإغلاق طرق. تلك المواجهات انتهت بجلوات وعطوات بعد تدخل قوات الدرك بقوة لبسط الامن.بقايا الطبقة الوسطى من المهنيين والمثقفين - أدوات تقدم المجتمع - تقف حائرة بين ما تسمع من وعود تنشد الإصلاح والعصرنة الشاملة بما يطلق الإبداع الحقيقي، وما تراه وتعايشه على أرض الواقع من تجارب صعبة ومحبطة. وفي الخلفية تنامي الحقد الطبقي واغتيال ما تبقّى من النجاح والتميز والابداع الشخصي في مجتمع لم يتعود على تحمل الرأي الاخر او مناقشته.العشرات من رجال وسيدات عالم المال والاقتصاد قلقون على مستقبل منشآتهم في بلد أثبت انه غير قادر حتى اليوم على "فطم" سياسات العطايا لفئات معينة وتوجيه الدعم الحكومي لحماية الأسر العفيفة الآخذة بالتناسل. ويفاقم الوضع غياب ثقافة قائمة على ترشيد الاستهلاك والعيش ضمن الامكانات المادية المتاحة للافراد. غالبية هؤلاء تشتكي من أن أعمالهم ما زالت مكبلة بالبيروقراطية المتجذرة وبتعليمات غير واضحة تتغير بين ليلة وضحاها كلما واجه مسؤول مشكلة ما. ما تزال الحساسيات السياسية تتحكم بالاقتصاد بدلا من عوامل السوق. البعض يخشى من عودة صامتة للحكومة ولمؤسساتها المدنية والعسكرية كطرف منافس لأعمالهم لضبط الأسعار والهروب من فشلها في تنظيم الأسواق عبر قوانين وهيئات متخصصة تضبط وتنظم عمل السوق القائم على العرض والطلب، فنار الأسعار باتت تلسع الأمن الغذائي للمواطن.وبات واضحا أن السوق تتجه إلى توليفة "هجينة" تسعى الحكومة لتفصيلها هربا من فلتان الأسعار، بما يضع حدا للعمل على تحرير الاقتصاد منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي وفتح السوق أمام المنافسة الحرة وتعزيز دور القطاع الخاص في توليد فرص عمل. إعلان الحكومة يوم الخميس عن تأسيس شركة حكومية لاستيراد المواد الغذائية لتحقيق الأمن الغذائي، آخر دليل على التخبط الاقتصادي للدولة التي باتت تبحث عن اجتراح نظام خاص بها بعد أن سمحت بربط مصير الاقتصاد "بذيل الخاروف البلدي" لضمان الأمن الاجتماعي والسياسي، في دولة غير قادرة على توزيع مكاسب التنمية على مكونات المجتمع كافة.بصراحة، الأردن شعبا وحكومة بحاجة إلى النظر هذه المرة في المرآة لرؤية الواقع كما هو من دون مساحيق التجميل التي غطت الصورة خلال السنوات الماضية.اذا لم نقتنع بحلو ومر واقعنا لن نتقبّل العلاج المطلوب بالكي أو الجراحة. وسنستمر في تجميل المظهر الخارجي دون الالتفات الى الجوهر. وستسيطر روح العصبية ويرفع كل مكون إجتماعي علما خاصا به.مَنْ يجلس في الدوار الرابع وفي الوزارات وداخل مراكز القوى الأخرى لم يعد يعني الكثير لغالبية الأردنيين- باستثناء النخبة السياسية التي ترتبط مصالحها ونفوذها بمن يمارس السلطة ويمسك بأدواتها. ولم يعد للعبة تغيير كرسي الرئاسة وشخوص التنفيذيين أي مضمون. خلال العشر سنوات الماضية جرّب سبعة رؤساء وزارات، يمثلون ألوان الطيف السياسي. غالبيتهم أعطي فرصة المئة يوم قبل أن يتعرض وفريقه للتدخل والتعطيل. الخلل الحاصل الآن يتطلب تجديد سياسات وأدوات ممارسة السلطة، وتعريف ما هية المواطنة في عصر دولة القانون بهدف إستعادة هيبة الدولة بدلا من الاستمرار في لعبة تجميل الشكل على حساب المضمون. المطلوب رؤية واضحة بعيدة المدى وليس فقط من باب التبجح أو المباهاة أمام الآخرين، بمن فيهم أعضاء السلك الدبلوماسي وزوار الاردن الذين يرصدن الخلل أيضا. الإصلاح السياسي يظل مفتاح الإنقاذ وطوق النجاة لوطننا الذي لا نتفيأ ظلاله ونأبى مفارقته.
-
الإشاعة العسكرية والحرب النفسية على المغرب
تضخيم مرض الملك كنموذج
إن الإشاعات هي انعكاس لآمال واحباطات ومخاوف وقلق شعب معين وهي مؤشر على مدى جاهزيته العسكرية والسياسية في وقت الأزمات ،وهنا يبرز دور الإعلام فإشاعة القلق تكثر في المجتمعات التي تعجز فيها وسائل الإعلام عن تقديم أجوبة واضحة وأخبار تعكس الحقيقة الواقعية ، مما يضطرها إلى إكمال هذا النقص عبر التشبث بالإشاعة والتضخيم الذي يصبح أكثر خطورة في أيام الحرب ، فالغموض وعجز الإعلام الوطني عن تقديم تفسيرات ، يجعل الإعلام المعادي يستغل هذه الثغرات من اجل تنشيط الإشاعات المدمرة والمخربة في صفوف المواطنين خصوصا مواطنينا الذين تكثر فيهم الأمية ويعتمدون في تلقي الأخبار على الأصدقاء والأقارب أي الحوارات العامة ، هناك تجد الإشاعة مكانها مستعينة بتفسيرات الأحداث القادمة من الإعلام الأجنبي والقادمة وفق برامج مؤطرة فكريا من طرف مراكز عالية الكفاءة بتنسيق ربما بين الجيش والصحافة والمخابرات ، وهنا أسجل بإحباط كبير الضعف الذي أبانت عليه مخابراتنا في مجال غياب نظام امني للسيطرة على سريان الإشاعة أو خلق إشاعات مضادة ، هذا النظام يكون دوره إحباط الإشاعات الزائفة التي تفتت معنويات الشعب والجيش ، أنظمة متواجدة لدى الدول منذ الحرب العالمية الثانية والتي تعتمد في إطارها النظري على أفكار البورت وبوستمان وبصفة عامة تنتشر الإشاعة باعتماد على عنصريين أساسين ،هما عنصر الاهتمام وعنصر الغموض في الخبر مما يجعل الخبر عرضة للتشويه أثناء الانتقال وتسمح بالتالي للإعلام المعادي أن ينقحها ويتحكم حتى في تنميط إعلامنا وفق خطة القطيع بقطع كافة الخيارات أمامه وجعله يعتمد بالكامل عليه.كما يتم إضافة إليها اعتبارات وأماني العدو واعتبارات وعواطف أهل البلد بحيث تتحرك الإشاعة وفق الخطة العسكرية المعروفة بخطة كرة الثلج ، وسأنتقل إلى الحديث عن ما راج أخيرا عن مرض ملك المغرب وسأستعين ببعض الأبحاث في مجال الإشاعات مثل بحث لرالف روسو من جامعة بنسلفانيا .
لقد لاحظنا بأسف شديد التحرك الملفت للإشاعة حول مرض الملك بحيث لولا الألطاف لخرجت الأمور عن السيطرة وقد تحركت الإشاعة وهي ذات طابع مرتبط مباشرة بالأمن القومي تحركت وتطورت وفق أربعة عوامل أساسية منها :
أولا : الشك العام ، يقول المفكر في علم نفس الإشاعات مونتغمري بلجيون ، يتوقف سريان الإشاعة على الشك والغموض في الخبر أو الحدث فحينما تعرف الحقيقة لا يبقى مجال الإشاعة وهذا ما حدث في المغرب بحيث هناك شك عام وعدم ثقة من طرف الشعب في الناطقيين سواء باسم القصر أو الحكومة نتيجة تراكمات الاحباطات والكذب الممارس منذ عقود بحيث أي حديث يخرج من هذه المنابر هو بالضرورة ليس مؤكدا وغير مضمون ، ولاعادة المصداقية يتطلب الأمر سنوات وهذا أمر خطير أيام الحرب ، لأنه صعب جدا أن يشك فيك الناس أيام الحرب ويصدقوا الأخر . مما يسمح لمنابر الأخر التي ليست بالضرورة بريئة بتقديم رؤيتها للخبر وفق برنامج مدروس بعناية مخبريا .وهنا لدي سؤال ملح للقارئ هو إذا كان الأخر قد نجح في خلخلتنا وإثارة القلق بيننا عبر تضخيم مرض الملك أيام السلم ونحن لسنا تحت الضغط ، فماذا بإمكانه أن يفعل أيام الحرب ؟ وهنا أدعو إلى مزيد من الجدية في التعامل مع قضايا الأمن القومي ، فمن يعمل في الأمن القومي يجب أن يتفرغ للأمن ومن يعمل على تحسين نسل الأبقار الحلوب يجب أن يعمل في مجال الحليب والأبقار .
ثانيا : العامل الثاني الذي ساهم في نجاح أهداف الإشاعة هو إشراك المتلقي في التفكير في النتائج ، بحيث ماهي النتيجة المباشرة لمرض الملك المغربي وهنا انقادت وسائل إعلامنا إلى الفخ بحيث هناك من تحدث عن ما بعد الملك أي هل مجلس الوصاية أم احد أفراد الأسرة الحاكمة كبديل أم ....،لان إشراك المتلقي وأهل البلد في التفكير في البدائل أمر مهم لنجاح الإشاعة ، لان الموضوع مصيري ومن المفروض على الجميع التخيل وقد لاحظت في الشارع العام العديد من الفرضيات التي تناسلت وخلقت حالة قلق في أذهان الناس بمجرد التفكير فيها وهذا هو دور الحرب النفسية .
العامل الثالث الذي أدى إلى إنجاح الإشاعة هو القلق الذاتي والشخصي وهو معروف لدى العسكريين ، بحيث أن الإشاعة العسكرية تستمر ليس فقط لأنها غامضة أو لوجود غموض معرفي لدى الشعب أو غياب وسائل إعلام ذات كفاءة بل تستمر كذلك لأنها تقدم متنفسا للتوترات الانفعالية التي تنتج حين نفكر بالنتائج التي هي في الحالة المغربية كارثية وان تم التفكير فيها يصاب الشعب بخوف شديد وهنا تكمن الحرب النفسية ضد الشعوب إذ ماهي نقطة ارتكاز المغرب ، إنها الملك انه نقطة قوة حين يوجد ونقطة ضعف إذا غاب ، بحيث تكون النتائج كارثية ومجرد التفكير فيها يولد احباطات كبرى لها تأثيرات سلبية على الجيش والاستثمار والإنتاج وعلى كل التحركات الاجتماعية والسياسية ، بحيث تخلق لدى الشعب عقدة تجعله غير قادر أو راغب في قبول الأخبار بل حتى سماع أو قراءة الخبر لأنه يخاف من نتائج مرض الملك وغيابه عن الحكم في غياب أي بديل سياسي أو دستوري أو حتى شخصي يمكنه قيادة بلد بهذا الحجم من المشاكل والتنوع ، هذا القلق والخوف الشديد هو سبب انتشار هذه الإشاعة بهذا التضخيم،خصوصا بعد دخول أطراف خارجية على الخط وهنا أريد أن أنبه الجيش المغربي ، ونظرا لوجود تنسيق مع الولايات المتحدة أن نطلب منهم إعانتنا على الاطلاع على المشروع الذي أعده مجموعة خبراء بتعاون مع البنتاغون مشروع اسمه project me
هدفه مواجهة الإشاعات العراقية حول الأسلحة الغير تقليدية وأثره على معنويات الجيش وأهالي الجنود في بداية التسعينات .
العامل الأخير وهو سرعة تلقي الإشاعة أو ما يسمى عند البعض بسذاجة المتلقي أو عقلية القطيع، وهنا احمل جزءا من المسؤولية للناطق الأول بالخبر ، لان الإشاعة لا يمكن تصديقها من طرف عدد كبير من الناس إلا إذا كانت تتضمن جزءا من الحقيقة ، هذا الجزء هو ما أكده الناطق الأول بالخبر في سابقة هي الأولى من نوعها ، فمثل هذا السلوك يتطلب ممارسته في شعوب ناضجة دمقراطيا وتعيش نوعا من الاستقرار ، بينما نحن لازلنا محاطين بالآخرين من كل جانب وعلاقاتنا ليست ودية والكل ينظر إلينا أننا توسعيين أي نحن في شبه حالة حرب باردة ، أي يجب أن تكون الجهات الرسمية أكثر مسؤولية في الأخبار التي تفوح بها ، أي أخبار الفزع مثل مرض الملك أو أخبار الرغبة كوجود البترول في تالسينت لا يجب إطلاقها إلا بعد دراستها جيدا .
ونتمنى من المسؤولين المغاربة أن يأخذوا العبرة من هذه الحادثة وكفى من اللامبالاة ليس لوقت السلم نبني لكن لنستعد للحرب ، أي يجب وضع الخطط من الآن لكيفية التصدي للإشاعات العسكرية في وقت الحرب لان من يطلقها يكون على كفاءة عالية ، فالحرب النفسية عنصر أساسي ومحدد في مسار المعارك المركزية والعمليات العسكرية الفرعية،وأنا متأكد أن صحافتنا وطنية ونزيهة وشريفة ولم تكن لها أية أهداف مبيتة وحاشى وكلا أن نشكك في وطنية أي كان،لكن أذكر الجميع أن هذه هي الإشاعة الرابعة التي تعرض لها الملك ولم نأخد العبر.والحمد لله رب العالمين.
-
عندما تُوظّف فلسطين لاستكمال تعريب المغاربة
كم كان الأستاذ ميمون أمسبريذ مصيبا وعبقريا في تحليله عندما أدرج قضية فلسطين ضمن وسائل التعريب الهوياتي للمغرب حيث كتب يقول: "أما أقوى التيمات ـ السجلات البلاغية التي ينشط من خلالها الخطاب العروبي في المغرب فهو ولا شك القضية الفلسطينية" (انظر مقاله "عن الجالية الأمازيغية في المغرب" بالعدد 143 من "تاويزا" لشهر مارس 2009). وأنا أتأمل هذه الفكرة الثاقبة، إذ بنشرة الأخبار المتلفزة تعلن أن المغرب قرر تخصيص مبلغ 15 مليون دولار كمساهمة منه لإعادة إعمار غزة الفلسطينية بعد الدمار الشامل الذي تعرضت له جراء العدوان الإسرائيلي، لتتأكد بذلك صحة ما جاء في تحليل الأستاذ أمسبريذ.
ليس موضوع هذا المقال هو مناقشة مبدأ التضامن مع فلسطين وتقديم الدعم المالي لها، ولا الأسئلة المباشرة التي يطرحها هذا الدعم من قبيل: لماذا لم يخصص هذا المبلغ لإعمار ما دمرته الفيضانات الأخيرة بالمغرب أولا؟ لماذا لم يرصد لفك العزلة على منطقة أيت عبدي التي لا تزال تحاصرها الثلوج؟ أو لمحاربة الفقر والهشاشة؟... إلخ. كما أن الموضوع ليس مناقشة الأهداف الصريحة والمباشرة لهذا الدعم، بل الكشف عن الأهداف البعيدة الضمنية والخفية للتضامن مع فلسطين وتقديم الدعم المستمر لها من طرف المغرب، هذه الأهداف التي لها علاقة بما سماه الأستاذ أمسبريذ "التيمات ـ السجلات البلاغية التي ينشط من خلالها الخطاب العروبي في المغرب".
إذا سألت المغاربة عن موقفهم من الدعم المالي الذي يقدمه المغرب من خزينة الدولة للفلسطينيين، فسيكون جواب غالبيتهم أنهم يرحبون بهذه المبادرة ويحيونها ويساندونها. وإذا سألتهم لماذا يساندون هذه المبادرة ويرحبون بها؟ فسيجيبون في أغلبيتهم: لأن الفلسطينيين عرب مثلنا نشترك معهم في الانتماء إلى نفس الهوية العربية، وهو ما يفرض علينا مساندتهم ودعمهم والتضامن معهم لأنهم أشقاؤنا وإخوان لنا. والمشكل ليس فقط أن هذا التضامن يقوم على دوافع عرقية (الاشتراك في الانتماء إلى نفس العرق الذي هو العروبة)، بل لأنه يخلق وينمّي ويكرّس الوعي الزائف والكاذب لدى المغاربة بأنهم عرب. وهكذا يؤدي التوظيف القومي العروبي للقضية الفلسطينية بالمغرب إلى مزيد من تعريب المغاربة، تعريب أكثر عمقا وفعالية، لأنه لا يستهدف اللسان والهوية فحسب، مثل التعريب المدرسي، وإنما ينفذ إلى المشاعر والوجدان والانفعالات، أي عمق الإنسان ولبّه. فهذا التضامن مع فلسطين، ولأنه يقوم على أساس عرقي قومي، يستدخله المغاربة كدليل بديهي ساطع على "عروبتهم" المزعومة، خصوصا أن الإعلام الرسمي والحزبي (وهل هناك فرق بينهما؟) لا يكفّ عن ترديد عبارة "فلسطين الشقيقة" و"أشقاؤنا الفلسطينيون" كلما تعلق الأمر بالتضامن معهم. بل إن هذا الإعلام ينتدب مراسلين له في أقصى المدن الفلسطينية التي تفصلنا عنها أكثر من ستة آلاف كيلومتر ولا ينتدب مثل هؤلاء المراسلين في أقاليم مغربية قريبة كالحسيمة وأزيلال وإملشيل وأيت عبدي. مما يعني أن فلسطين هي أكثر مغربية من هذه الأقاليم المغربية. هكذا تساهم القضية الفلسطينية، كما توظف بالمغرب قوميا إعلاميا، في خلق وعي زائف ومستلب لا يرى الوطنية إلا في الارتباط بالعروبة، خارج الوطن، والتضامن مع القضايا العربية. وهذه حالة شاذة ومرضية تعتبر في الأحوال العادية والسوية خيانة وعمالة ضد الوطن.
وهذا ما نرفضه ونعارضه كأمازيغيين: نرفض التضامن مع فلسطين بصفتنا "عربا" تفرض علينا هويتنا "العربية" التضامن مع "أشقائنا" العرب. لكن نقبل التضامن مع فلسطين والقضايا العربية الأخرى، كأمازيغيين مسلمين ندافع عن فلسطين وندعمها لدوافع إنسانية وإسلامية وليس لدواعٍ عرقية وقومية كما تفعل الأحزاب والحكومة والحركات الإسلامية بالمغرب. فالتضامن مع فلسطين على أساس عرقي قومي، فضلا على أنه أداة إضافية أخرى فعالة لتعريب وعي المغاربة بعد تعريب انتمائهم ولسانهم، فهو سلوك جاهلي حاربه الإسلام ونهى عنه، ويتنافى مع قيم الحداثة والإنسانية.
القضية الفلسطينية، كما هي موظّفة بالمغرب، لا تختلف في وظيفتها عن الاستعمال السياسي التعريبي للغة العربية التي لا تستعمل كلغة بل كوسيلة لتغيير الهوية الأمازيغية للمغاربة إلى هوية عربية. وهذا ما يرفضه الأمازيغيون الذين لا يرفضون العربية كلغة لكن يرفضون استعمالها لتعريب هويتهم. ونفس الشيء بالنسبة للقضية الفلسطينية: فالأمازيغيون لا يرفضون التضامن مع الفلسطينيين ودعمهم ماليا والدفاع عن قضيتهم كقضية إنسانية عادلة، لكنهم يرفضون التضامن مع الفلسطينيين والدفاع عن قضيتهم كما لو كانوا "عربا" تجمعهم قرابة عرقية وقومية بالفلسطينيين تبرر دعمهم والتضامن معهم كما توحي بذلك مواقف الحكومة وأحزابها العروبية. فالذي يرفضه الأمازيغيون ليس التضامن مع القضية الفلسطينية في حد ذاته ولكن توظيفه هذه القضية لتعريب وعيهم ووجدانهم. فالقضية الفلسطينية لا تعنينا كقضية عرق عربي، ولكن تعنينا كقضية عدالة وإنسانية وشرعية. لهذا نعارض أن ندفع خمسة عشر مليون دولار من جيوبنا لاستكمال تعريبنا، ولكن نقبل أن نتبرع بهذا المبلغ وبأكثر منه شريطة أن نفعل ذلك كأمازيغيين وكدولة أمازيغية تتضامن مع قضية عادلة ومشروعة. ففي هذه الحالة التي ندفع فيها هذا المبلغ لدوافع وحدة القرابة العربية العرقية المزعومة، ماذا سيسجل التاريخ؟ سيسجل أن المغرب كدولة عربية منح لفلسطين العربية 15 مليون دولار تعبيرا منه عن تضامنه العربي مع فلسطين العربية. وهذا ما نرفضه كأمازيغيين لأنه تزوير للحقيقة وإسهام آثم في تعريب الأمازيغيين الذين لا يرفضون بالمقابل التضامن مع الفلسطينيين لكن كأمازيغيين ـ كما سبقت الإشارة ـ يسجل عنهم التاريخ أن الشعب الأمازيغي بالمغرب دعم الشعب الفلسطيني ب15 مليونا لدواعٍ إنسانية وإسلامية وحتى سياسية، لكن ليس لدوافع عرقية وقبلية كالتي تروّج لها الحكومة وأحزابها العروبية. ولنأخذ العبرة من تركيا العظيمة: فما فعله رئيس الحكومة التركية السيد الطيب إردوكان لصالح فلسطين لم يفعله أي ملك أو رئيس عربي. لقد انتفض ضد الرئيس الإسرائيلي في مؤتمر دولي، واتهمه بارتكاب مجزرة ضد الأبرياء في غزة ثم غادر قاعة الاجتماع احتجاجا على قتل الجيش الإسرائيلي للأطفال في غزة، وهو ما لم يفعله أي مسؤول عربي من الذين حضروا نفس المؤتمر، والذين واصلوا الجلوس بجانب رئيس إسرائيل بعد مغادرة السيد إردوكان. فماذا سيكتب عنه التاريخ؟ سيكتب أنه تضامن مع فلسطين ودافع عنها، ولكن كتركي معتز بانتمائه التركي، وليس كعربي حركته النعرة القبلية العربية لمناصرة فلسطين العربية. هكذا نريد أن يكون تعامل الدولة المغربية مع القضية الفلسطينية كقضية يدعمها ويدافع عنها المغاربة كأمازيغيين فخورين بانتمائهم الأمازيغي، مثل رئيس الحكومة التركية الطيب إردوكان، تحرّكهم الغيرة الإسلامية ومبادئ الحق والعدالة، وليس كعرب تحركّهم الدوافع الإثنية ذات الأصول الجاهلية.
إن إقامة المغرب لعلاقات سوية، خالية من أي استلاب أو تبعية، مع القضايا العربية بصفة عامة والقضية الفلسطينية بصفة خاصة، يشترط استعادة المغرب لهويته الأمازيغية كاملة، أي كهوية للدولة وللسلطة الحاكمة. آنذاك سيكون التضامن مع القضايا العربية العادلة ينطلق من دواعٍ إنسانية وإسلامية وسياسية لا توجهه ولا تؤثر عليه بواعث عرقية وقومية لأن المغرب سيكون دولة أمازيغية ثوابتها الجديدة هي الأمازيغية والإسلام وليس العروبة والإسلام كما نسمع يوميا وبشكل مكرور ومملول.محمد بودهان
-
حوادث السير والتخلف
في شهر رمضان ترتفع وثيرة حوادث السير كما في العطل والأعياد،ومع التساقطات الأولى للأمطار حيث تكثر الانزلاقات على الطرق وحتى على طول السنة والحصيلة دائما ثقيلة ومفجعة،فتصبح فضاءات الطرقات في المغرب فضاءات للموت بامتياز،، ذلك الموت المجاني الذي يجعل دم الضحية يذهب هدرا فتصبح الخسارة أفدح للأسرة وللوطن، الأسرة تفقد أحبتها ومعيليها وإن لم تفقدهم يصبحون عالة تطببهم وترعاهم نتيجة العاهات المستديمة، والدولة تكلفها حوادث السير 11 مليار درهم سنويا، وضحايا حرب الطرق يصل عددهم يوميا إلى عشرة قتلى و120 جريحا والحصيلة مرشحة للارتفاع في أفق 2012 إلى 14 قتيلا يوميا ،أليس الأمر كارثيا ؟ ويؤكد كم نحن متخلفون في الوقاية من حوادث السير والأمر نابع من تخلف عام ومتجذر فينا ويحتاج للكثير من الجهود لتجاوزه .
إن المذبحة التي تعرفها طرقاتنا لها ارتباط وثيق بتخلفنا، والدليل على ذلك أننا لم نستطع الحد من هذه المذبحة الطرقية وإنما وتيرتها في ارتفاع مستمر،في حين استطاعت الدول المتقدمة تخفيض المعدل إلى ثلاثين في المائة ،وتعتبر الدول الإفريقية والعربية في المقدمة عالميا من حيث حوادث السير ويعتبر المغرب الأول عربيا والأكثر تفوقا في هذا المضمار ليحتل المرتبة الأولى في قائمة الدول العربية، فهل بلدنا الأكثر تخلفا مقارنة بالبلدان الأخرى لاحتلاله هذه المرتبة المخجلة؟.
علينا أن نتحلى بالقليل من الشجاعة ونعترف بأننا فعلا متخلفون ،نمارس تخلفنا بطريقة تصاعدية تفضي إلى موت مجاني على الطرقات، نمارس تخلفنا لما لا نحترم قوانين السير، وعدم احترامنا لهذه القوانين يتمظهر جليا لما لا نتسامح في الطريق ، لما نقدم الرشوة لننجح في امتحان القيادة وليتغاضى أمن الطرق عن أعطاب سياراتنا وعن مخالفاتنا ،يبدو تخلفنا واضحا وضوح الشمس لما تدرج على طرقاتنا سيارات وحافلات مهترئة ،لما يفرط السائق في السرعة على طرقات ضيقة ومليئة بحفر مفتوحة عن آخرها ومنعرجات خطيرة وغير محصنة ، نعبر عن تخلفنا لما يعتبر البعض شرب الخمر مظهرا من مظاهر التحضر فيعب القناني ويخرج ليسوق سيارته وهو لا يعرف رأسه من رجليه، فيقتل نفسه، أو يتسبب في قتل العباد ،وقد أرجعت اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير الخمر كسبب ثاني لحوادث السير.
يتمظهر تخلفنا في إسعافنا الذي يحضر متأخرا إذا قدر الله وحدثت الحادثة، وإذا حضر فسيارات الإسعاف غير مجهزة بتجهيزات متطورة تسهم في إنقاذ المصابين، فيموت البعض منهم في الطريق وقبل الوصول إلى المستشفى، يتمظهر تخلفنا في عدم توفير بنية تحتية تستطيع امتصاص الضغط واستيعاب العدد المهول للسيارات التي أصبحت تدرج على الطرقات مقارنة مع السنوات الماضية ، بالإضافة إلى سن قوانين فعالة مواتية للزمان والمكان، ونابعة من ظروفنا لتنبت في تربة مغربية فتلائم أوضاعنا فلا نظطر إلى استيراد مدونات سير من دول متقدمة تثبت عدم فعاليتها لاختلاف مناخ التطبيق .
الجميع يسهم في جريمة حرب الطرق، والجميع يسهم في إراقة الدماء على طرقنا ليأتي رجال المطافىء ويشطفونها بخراطيم الماء ليعود الإسفلت كما كان نظيفا وأسود من غير سوء، وكأن شيئا لم يحدث، لتعود الحوادث في اليوم الموالي لتتصدر عناوين الأخبار لدرجة أصبحت معها أخبار حوادث السير لكثرتها عادية لدرجة الابتذال فحال السيارات المبعوجة والحافلات التي طار سقفها واقتلعت كراسيها مع أرواح راكبيها ،والجثث المسجاة على جانب الطرقات لم تعد تثير في المشاهد أية مشاعر ولا يعتبر بها ،لاعتياده رؤيتها يوميا على شاشات التلفزيون.
إن تخلفنا في محاربة حوادث السير عميق الغور ولم نستطع اختراع عقاقير مضادة له بعملنا الجاد على تجاوزه لتجاوز هذه المأساة فنكتفي بالمسكنات التي يكون مفعولها مؤقتا، فحتى شروط التوعية الحقة والحلول التي ترتجلها الدولة للحد من حوادث السير موسمية ومرتجلة وغير فعالة ، إن الأمر أعمق وأخطر بكثير فعوامل كثيرة ومعقدة وراء هذه الكارثة الإنسانية والأمر يحتاج إلى حلول على العديد من المستويات، وتغيير الكثير من المفاهيم والسلوكات وعلاج الكثير من المشاكل التي تكرس تخلفنا لنتجاوز هذه المحنة أو الكارثة المغربية بامتياز والتي تثير الأسى والألم ،فالعدد المهول للضحايا يؤكد حجم الخسارة.
إن حادثة السير تعني في الغالب الموت لأن المواضع الأكثر تعرضا للإصابة في جسم الضحية ، الجمجمة والعنق والنخاع الشوكي بنسبة 85 في المائة مقارنة مع أعضاء الجسم الأخرى ، وإصابة هذه الأماكن الحساسة من جسم الإنسان تؤدي إلى وفاة فورية أو إلى عاهة مستديمة.
إن حوادث السير تراجيديا سوداء فصولها مستمرة لا تتوقف، والحكومة تراكم حلولا نظرية تطبيقها على أرض الواقع صعب للغاية .
وتعتبر الحافلات أكبر قاتل للمسافرين في المغرب لممارسة سائقيها للرالي على الطرقات ولحالتها الميكانيكية المهترئة، وفي نشرة الأخبار المسائية ليوم 10 شتنبر ومع أول سقوط لقطرات من المطر ظهرت ثلاث حافلات نائمة على جانب الطريق حيث انقلبت في يوم واحد مع حصيلة ثقيلة من الضحايا ، وفي الدول المتقدمة ينصحون أثناء حملات التوعية بمخاطر الطريق ، وما أحوجنا لهذه الحملات، المسافرين باستخدام وسائل النقل العمومية بدل سياراتهم الخاصة لتجنب حوادث السير، ومن هذه الوسائل الحافلات ، فعندنا على المسافر أن يفكر ألف مرة قبل امتطاء وسائل النقل العمومي، وبالخصوص الحافلات، وكل من تسول له ظروفه السفر عبر الحافلة يتلو الشهادة قبل صعودها لأنه لا يعرف إن كان سيصل سالما إلى مقصده أم ستنقلب عند أول منعرج ،وحتى القطارات التي كانت تعتبر أكثر أمانا أصبحنا نسمع عن خروجها عن الخط بين الفينة والأخرى .
إن الكلمة التي قالها المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الراحل يونغ – ووك:"السلامة على الطرق لا يجوز أن تترك للمصادفة" قولة لا يجب أن تمر مرور الكرام ، وإنما علينا أن نستوعبها جيدا، لأن الأمر يتعلق بسلامة أرواح العباد التي يجب أن لا نترك المصادفة تحميهم من الموت، لأن كل خطإ يرتكب على الطريق مهما كانت بساطته يصبح قاتلا، فالطريق لا تحتمل الأخطاء، فكلنا معنيون والحل يبدأ من اعترافنا بأخطائنا النابعة من تخلفنا وبمحاولة تخلصنا من هذا التخلف الذي يكبلنا ويمنعنا من اتخاذ خطوات جريئة إلى الأمام.
نسبة الحوادث في المغرب تتزايد باستمرار ولم تنقص قيد أنملة ، والطريف في الأمر أن دولة تعيش حربا حقيقية مع العدو الصهيوني كفلسطين وتعيش الحصار والهدم المستمر لمنشآتها استطاعت تطبيق استراتيجية مكنتها من التقليل من حوادث السير بنسبة عشرة في المائة، إنها الإرادة الحقيقية التي إن غابت لن يتحقق أي شيء.
فهل سنظل نشطف الطرق بخراطيم الماء من الدماء ونحصي الضحايا، أم نقيم الدنيا ولا نقعد ونشمر عن ساعد الجد ونعتبر أنفسنا كلنا مسؤولين عما يقع ولا نظل نتبادل التهم، حتى نجد الحل الأنجع، للتخفيف من هذا الطاعون الذي يزرع الموت على طرقاتنا ويتفوق على حرب الأسلحة وعلى الكوليرا والأنفلونزا وبوحمرون .
إن حوادث السير وصمة عار على جبين المغرب ، نوصم بالتقدم في حوادث السير ونتهم بالتخلف في المجالات المشرفة فنظل تحت رحمة الأمر الواقع دون أن نأخذ العبر أو نأخذ المبادرة ونتعلم من أخطائنا، فمتى سنتعلم؟
-
أي إصلاح في المغرب ترضى عنه " نيويورك تايمز " ؟
أبرزت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي لعام 2008، الذي أصدره يوم الجمعة 19 شتنبر 2008م "مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والحق في العمل"، أن المغرب يعرف انفتاحا كبيرا في مجال الحريات الدينية، وهو ما يعني أن المغرب يسير في اتجاه متصاعد فيما يضاد الهوية والقيم الإسلامية..، وفي اتجاه منحدر في الحفاظ على دينه وقيمه وهويته، ومع ذلك فإن هذا الغرب العلماني المادي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية لا يتوانى في الضغط على بلدنا لتحقيق المزيد من الانفتاح على الثقافة الغربية وقيم التمدن والحداثة بمفهومهما الغربي.
لقد عملت كوكبة من دعاة الإصلاح السلفيين في المغرب الذين كانوا يشكلون نواة حركة المقاومة والجهاد في وجه المحتل الفرنسي وعلى رأسهم العلامة أبي شعيب الدكالي والعلامة محمد بن العربي العلوي والشيخ تقي الدين الهلالي والعلامة المختار السوسي والعلامة عبد الله كنون والشيخ المكي الناصري والمفكر علال الفاسي.. على دعوة الناس للتمسك بالقرآن والسنة على هدي السلف الصالح، ومحاربة الفكر الصوفي الخرافي القبوري واعتبروا ذلك أساس الإصلاح في دعوتهم..
وبعد مرور عشر سنوات على تربع الملك محمد السادس عرش المغرب حمّلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في مقال لها صدر يوم الخميس 27 غشت المنصرم الإسلاميين وعلى رأسهم الوهابية والشيعة مسؤولية تعثر حركة الإصلاح في المغرب. وأشادت بما حصلت عليه المرأة من حقوق جديدة، وبتبرئه من ماضي انتهاك حقوق الإنسان..
وذكر كاتب المقال أن المغرب مؤهل ليكون جسر تحقيق التعايش بين المسلمين والصهاينة، وأن على الملك أن يقدم المغرب كوسيط بين الفلسطينيين والصهاينة اليهود، وأن ما يمنعه من أن يكشف نفسه هو تأخر تحرك الدول العربية وانتشار الفكر المتطرف في بلده، الذي يمنعه من تسريع وتيرة التغيير!!..
وهنا تتوارد أسئلة كثيرة على الذهن من قبيل: هل مفهوم الإصلاح في المغرب مرتبط بالإصلاح عند الغرب؟
ولمعرفة ذلك فليراجع القارئ تقرير مركز الدراسات "راند" ليعرف حقيقة المجموعات المسلمة المعتدلة التي يريدها الإصلاح الغربي في العالم الإسلامي، والتي يمكن الحصول عليها من خلال تشجيع الفكر الصوفي الذي لا يتعارض في مبدأ تسامحه وتعايشه مع القيم الغربية حتى وإن كانت مادية، ولأنه لا يشكل خطرا سياسيا بحكم أن التصوف يدعو للبطالة والرضا بالواقع كما هو دون العمل على تغييره لأنه قدر الله، ويحث على الانصراف عن شؤون الناس العامة والاشتغال بالنفس.
ومن قرأ تاريخ وسياسات الدول الامبريالية في البلدان المحتلة (خصوصا الإسلامية)، فإنه يجد أن كل تغيير للقيم والهوية الإسلامية يتم عن طريق إدخال إصلاحات تعتبر من صميم الأعمال الجليلة التي تقدمها دول الحماية والانتداب لتلك البلدان، ومن اطلع على ظهائر الإصلاح زمن الاحتلال الفرنسي للمغرب فإنه يعلم يقينا أن الشريعة الإسلامية ما بدلت في المغرب بالقوانين الوضعية إلا تحت مسمى الإصلاح.
هل الإصلاح في المغرب لا بد أن يمر عبر قنطرة التطبيع مع الصهاينة؟
قد أشاد المقال بالخطوات التي يبذلها المغرب في سبيل تحقيق حوار بين الدول الإسلامية والكيان الصهيوني في أفق التقريب على أمل التطبيع، وهو ما يفسر أن التغيير المرجو من المغرب تسريع الخطى بشأنه يستلزم الاندماج الكامل لبلدنا المغرب ضمن الأجندة الفكرية والسياسية والاجتماعية وحتى العسكرية للمجتمع الغربي القائم في علاقته مع الكيان الصهيوني على أساس الاحترام والتقدير وتمكينه من بسط نفوذه بمنطقة الشرق الأوسط لتحقيق وجود وازن في المنطقة العربية الإسلامية، وليكون المغرب فاعلا أساسيا فإن أمريكا دعت المغرب (كما في رسالة الرئيس أوباما للمغرب) أن يلعب دورا رياديا في الحوار العربي الصهيوني، كما طلبت منه تفعيل العلاقات الديبلوماسية مع الكيان الصهوني وهو ما بدأت بوادره تظهر جليا في الأيام الأخيرة، بل والاشتراك معه في المناورات العسكرية..
ولأن المسلم المتمسك بأصول دينه يرفض التطبيع مع الكيان الصهيوني ويطالب باسترجاع الأرض الإسلامية وتطهير الأقصى من الوجود الصهيوني، يعتبر عند أمريكا متطرفا يمنع تسريع وتيرة الإصلاح في المغرب!!
ونتساءل لماذا لم يشر المقال وتقريرات الخارجية الأمريكية إلى الظواهر والسلوكيات الشاذة وأنها هي من يعوق الإصلاح؟
أم أن تزايد عدد الشواذ وتمكينهم من ممارسة فجورهم، وانتشار فكر التحرر الجنسي والسياحة الجنسية، وتمكين المرأة من الانفلات الأخلاقي والقيمي، ونشر فكر التغريب والعلمنة، وفسح المجال للمهرجانات على اختلاف مشاربها حتى وإن عبد فيها الشيطان، ودعم التنصير والإلحاد بحجة حرية الفكر والاعتقاد، ومساندة الانفصاليين عن الوحدة الترابية للمغرب، ونصرة الحركة الأمازيغية العلمانية المتطرفة التي تدعو للتحرر من الملكية والإسلام وربط العلاقات مع الكيان الصهيوني، والإعلام المتسيب، وانتشار الدعارة وشرب الخمر وتعاطي المخدرات بشكل مهول..، كل هذا لا يعوق الإصلاح في المغرب بل هو من نتاج التغيير الذي يسير المغرب ليكون رائدا فيه، حتى يحقق التمدن والحداثة الغربية!!
إن المغرب بلد إسلامي ولن ينجح مشروع للإصلاح فيه إلا إذا تلاءم مع مرجعيته الدينية ومقومات هويته، وأما التعجيل بنسف ثوابت الأمة المغربية تحت ضغط الإكراهات الغربية، فلم يحن زمانه، ما دام في المغرب من يترحم على الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين والأئمة المصلحين على مر التاريخ الإسلامي.إبراهيم بيدون
-
ويبقى المطر معارضا!
مرة أخرى يأبى المطر إلا أن يكون المعارض الأول والأخير في بلد يفتقر إلى معارضة حقيقية تتبنى مطالب الشعب وتدافع عن حقوقه وتهتم لمصالحه ، ومرة أخرى يعيد المطر كرته ليربك مع بداية الموسم السياسي الجديد حسابات حكومة بسطت أذرعها بالوصيد لكل من لم يعي معنى المسؤولية وكنهها الحقيقي ، وليدفع بالمواطن المغلوب على أمره إلى التوجه نحو رب الأرباب سائلا إياه النجاة من سيله المنهمر ولاعنا بين يديه كل من ساهم بشكل أو بآخر في تحويل هذه النعمة إلى نقمة يخافها الكبير قبل الصغير .
مرة أخرى يكشف المطر مع أولى قطراته زور وبهتان الشعارات التي يرفعها مسؤولونا في حملاتهم الانتخابية ، ليؤكد لنا وللعالم أجمع أن آخر ما يشغل بال الحكومات والوزراء والمسؤولين عندنا هو هذا المواطن الذي فقد عبارات الشكوى وهو يقارن بين ما يسمع عن عشرية العهد الجديد وبين ما يرى من عشوائية وتخبط وفساد وارتجال وضحك على الذقون تحولت معه مدن وقرى في دقائق معدودات إلى مناطق معزولة ومنكوبة مباشرة بعد انقشاع سحب ممطرة .
إننا أمام معارض لا يخاف لومة لائم ، ولا يهمّه سوط ظالم ، أوضح من غير صعوبة في المقال أننا لا نستفيد من الأخطاء ، وأنه كلما زارنا إلا ووجد عدم الاستعداد له سيد الموقف ،وألفى السوء يدبر مرافق الحياة العامة ، والخلل يعتري جل المشاريع الخدماتية ، والغش يطغى على البنية التحتية ، فإن تعجب فاعجب ممن يستمر في منصبه دون استحياء أو خجل من إخفاقه في مسؤوليته ، وإن تسأل فاسأل عن مصير الملايير التي أنفقت على مشاريع تصريف مياه الأمطار والسيول ، وإن تبحث فابحث عن أسباب غياب شركات التطهير الأجنبية ـ والتي فوضنا لها أمورنا رغما عن أنوفنا ـ وعمن يتحمل المسؤولية الكاملة فيما يرى ويسمع مع بداية كل خريف .
معارض ينزل من السماء إلى الأرض ، يزور غبّا فيحيي أوطانا ميتة ويترك في أخرى كوارث تبين لنا أن الكارثة الحقيقية التي تتهددنا جميعا لا تتمثل إلا في وجود مسؤولين لا يقدرون معنى المسؤولية ولا يكلفون أنفسهم عناء الاهتمام بمصلحة الوطن والمواطن ولا ينظرون لهذا الأخير إلا نظرة دونية ترى فيه مجرد ورقة تستدعى ليلعب بها أيام الحملات الانتخابية لترمى بعدها في سلة المهملات بعد أن تحَمَّل مسؤولية فشل كل مشروع وخيبة كل أمل ونتائج كل المصائب والنكبات .
هذا المعارض السماوي أوضح أننا بحاجة إلى الرجل المناسب في المكان المناسب ، وبين أن الوعود الخاوية لا يمكن لها أن تحقق إلا واقعا مأزوما ، وبرهن بالحجة الدامغة والدليل القاطع على أن الحكومة الفارغة المضمون والمحتوى لا تشيد إلا مشاريع تشبهها ، ولا تنجب إلا مجالس بلدية تطابقها في الخلق والخلق وتنافسها في نهب ما تبقى من خيرات البلد ، ولا تخلق إلا معارضة يسهل إسكاتها بطريقة أو بأخرى ، وهو ما يعني أننا بحاجة إلى تغيير جذري في السياسات والقوانين الجاري بها العمل حتى تتم صياغتها من جديد بما يخدم مصالح الوطن والمواطن أولا وأخيرا ، لذلك لا نفتأ نردد على مسامع المسؤولين مع كل سحابة عابرة وغيمة ممطرة مثل هكذا كلام ، لعلهم يفقهون ما وراء الحديث فيغيثون أنفسهم قبل أن يغرقهم "غيث " يقوده كل من استغاث بهم من غيث السماء ولم يجد منهم غوثا يشفي الغليل .محمد ملوك
-
من هو الارهابي في قضية الصمادي؟
مكتب التحقيقات الفدرالي تولى دور التنظيمات السرية لتسجيل انتصارات وهميةعند التدقيق في تفاصيل قضية الشاب الاردني حسام الصمادي، المتهم بمحاولة تفجير "ناطحة سحاب" في مدينة دالاس الامريكية، يكون السؤال عنوان المقال مشروع، من هو الارهابي حقا.. حسام الصمادي أم جهاز الـ "اف. بي. اي"؟حسام شاب في سن المراهقة دفعته ظروف خاصة للسفر الى امريكا بحثا عن حياة افضل، مولع بالانترنت كما قال والده، والاشخاص المهووسون بالشبكة العنكبوتية عادة ما ينخرطون في مناقشات وسجالات حول قضايا شائكة ومثيرة من بينها موضوع الارهاب وتنظيم القاعدة، الذي يحتل مساحة واسعة في الميدان الالكتروني ويثير فضول الشباب الاغرار، ويبدو ان حسام كان واحدا منهم. ومثله مثل عشرات الالاف عبرّ عن ارائه بهذا الشأن فاصبح في نظر مكتب التحقيقات الفدرالي مشبوها وصاحب ميول "قاعدية" وارهابية.لا ينكر مكتب التحقيقات الفدرالي انه استدرج حسام وساعده ليصبح ارهابي، فبدلا من ان يتولى نصحه وارشاده بخطورة افكاره قدم له »قنبلة وهمية« وتواطأ معه لتنفيذ هجوم وهمي بالطبع.إرهاب مفتعل وقضية مفبركة، يؤيد ذلك بيان وزارة العدل الامريكية الذي قال بالحرف الواحد "ان الناس لم يكونوا معرضين للخطر اطلاقا خلال تلك العملية". وذلك امر بديهي لان القنبلة الموضوعة في سيارة مفخخة قرب ناطحة السحاب غير فعالة اصلا فأي خطر يهدد الناس اذ؟!.ويقر البيان الرسمي بان حسام تصرف بشكل فردي، ولا توجد مؤشرات على ارتباطه بتنظيم او "خلية نائمة" للقاعدة في امريكا، ورغم ذلك وجهت اليه تهمة لا تحمل اثقالها دولة بحالها هي "محاولة استخدام اسلحة دمار شامل". وحين مُثل الصمادي لاول مرة امام القاضي امس بدا غير مدرك لحجم الورطة التي وقع فيها عندما سأله القاضي "هل تعي طبيعة الاتهامات الموجهة لك؟".يمكن لنا ان نتفهم اتهام حسام الصمادي بالتخطيط لهجوم بهذه الضخامة لو ان الجهة التي غررت به او استدرجته هي تنظيم ارهابي ينوي فعلا استخدام شاب مراهق في عمل مجنون كهذا. لكن المستغرب هو ان يتصرف جهاز امني عملاق بوزن الـ "اف. بي. اي" وكأنه منظمة ارهابية تدفع الناس الى ارتكاب اعمال اجرامية لتسجيل انتصارات وهمية وتسهّل مهمتهم بدل ان تقوم بارشادهم ان كانوا يحملون بالفعل افكارا متطرفة.حالة الصمادي ليست تصرفا معزولا للجهاز الامني الامريكي، انما اسلوب عمل. فبالتزامن مع الاعلان عن قضية حسام كان مكتب التحقيقات الفدرالي اعلن توقيف الامريكي مايكل فينتون بينما كان يحاول تفجير شاحنة لا تحوي مواد ضارة لان عملاء فدراليين قاموا بتجهيزها بعد متابعة مبكرة لفينتون.هذا الاسلوب في إحباط هجمات يعتقد ان اشخاصا يخططون للقيام بها يطرح اسئلة حول مدى اخلاقيته وانسجامه مع القوانين.ان إحباط عمل ارهابي وهو في طور التخطيط يختلف تماما عن توريط اشخاص وتشجيعهم للقيام بالعمل ثم القبض عليهم متلبسين بعمل ارهابي وهمي.. اي عدالة تلك؟!.فـهـد الـخيـطانfahed.khitan@alarabalyawm.net
-
نيويورك مربط خيول العرب
يبدأ اليوم في نيويورك الاجتماع السنوي للجمعية العامة للامم المتحدة حيث يتوافد الزعماء ووزراء الخارجية من انحاء العالم للمشاركة بإلقاء الخطابات وعقد الاجتماعات واللقاءات.معظم دول العالم (باستثناء الدول العربية) تشارك في هذا الاجتماع لسببين »1« اظهار مكانتها وقوته، والترويج لسياساتها كما تفعل ايران وفنزويلا. »2« من باب العلاقات العامة حيث يستغل وزراء الخارجية الفرصة لعقد لقاءات مع زملائهم ممن لا يمكن اللقاء بهم إلا في هذه المناسبة والهدف البحث عن فرص تجارية واستثمارية الخ.»اجتماعات الجمعية العامة عند الدول العربية شيء مختلف. فالاستعداد لها يبدأ منذ بداية ايلول حيث يعقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب. وتوضع خطة للتحرك من أجل القضية الفلسطينية، بشكل عام، ومن أجل قضايا اخرى يطرحها هذا الطرف العربي او ذاك. ثم يتقاطر الوزراء الى نيويورك، لا يغيب منهم فرد، واحياناً يتواجد الزعماء. حيث تبدأ اخبار الكلمات واللقاءات والصور تتوافد من هناك الى المحطات التلفزيونية والاذاعية والصحافة في الدول العربية، لتنقل الى الشعوب المواقف (الحاسمة) و(القوية) لدعم القضية الفلسطينية. مما يعطي الانطباع بان الفرج قريب، وان معاناة الفلسطينيين وحريتهم اصبحت قاب قوسين أو ادنى. وما ان يمر الوقت حتى يكتشف الجميع بان ما يجري في نيويورك هو مجرد (كرنفال).تذكرني هذه الحكاية، التي تتكرر كل عام، بمثل شعبي تم تداوله، كما يروي في الثلاثينيات والاربعينيات من القرن الماضي. وهو »لندن مربط خيول العرب«. ويرجع ذلك الى ان عاصمة الامبراطورية البريطانية كانت انذاك بموقع واشنطن ونيويورك اليوم، صاحبة القرار اوهكذا كان الساسة العرب يعتقدون الذين اشغلوا كل وقتهم خلف سراب الحلول السلمية، بينما كانت الهاغاناه تستورد سفن الاسلحة الى فلسطين..كانت بريطانيا تتسلى بالعرب. الذين نسوا او تناسوا ان وعد بلفور صناعة بريطانية كاملة. وكلما أمّت الوفود لندن يصدر وعد جديد وتحرك اخر.الكتاب الابيض، الكتاب الازرق، لجنة بيل، اتفاقية نيو كومب، وهكذا. وكل هذه الخطط والمشاريع من اجل الحل لم ينفذ منها شيء، الى ان رُحّلت القضية الى الجمعية العامة للامم المتحدة في عام، 1947 حيث صدر قرار التقسيم، وهو بالمناسبة القرار الوحيد الذي تم تنفيذ الجانب المتعلق منه بالاعتراف بقيام دولة يهودية في فلسطين، وحتى اليوم لم يتم تنفيذ الجانب الاخر المتعلق بقيام دولة فلسطينية.من مستجدات اجتماعات الجمعية هذا العام ان قائد الثورة الليبي معمر القذافي سيذهب الى نيويورك، وانه سينصب خيمته المعروفة في احدى حدائق المدينة وربما يأخذ معه »الناقة« التي رافقت خيمته في اكثر من عاصمة عالمية. طريقة القذافي في الحضور والمشاركة، ببساطتها تُفسر وكأنها محاولة عربية لفرض طريقة حياة وتقاليد على امريكا، التي تعودت أن تفرض عاداتها وثقافتها على كل من يزورها. لذلك تحرك اللوبي الصهويني مبكرا لمنع القذافي من نصب خيمته، واذا نجح الرئيس الليبي فان العبرة من ذلك ستكون باعطاء القيمة الحقيقية لاجتماعات الجمعية العامة، كمناسبة عالمية لا قيمة فيها للخطابات واللقاءات والقرارات، انما المهم شكل الحضور وطبيعة الوفود وكيفية تقديم الزعماء لبلدانهم وانفسهم للعالم.الاجتماعات الحالية في نيويورك، ستتميز بحضور القذافي وشافيز واحمدي نجاد، كما تميزت من قبل بحذاء الرئيس السوفييتي خروتشوف قبل نصف قرن عندما اخذ يضرب به الطاولة امامه احتجاجا على كلمة الرئيس الامريكي. كما انها تتميز هذا العام بخطاب رئيس امريكي اسود. انه باراك اوباما سيد البلاغة ورئيس الدولة الاعظم. والذي سيخيب آمال كثيرين من عواصم العرب.طاهر العدوان
-
الـوطـن...والمـؤامـرة
ذكرني ما نقلته قصاصة وكالة المغرب العربي للأنباء يوم الاثنين 14 شتنبر الجاري من "إحباط محاولة تنظيم تجمع كان سيتبعه إفطار علني في رمضان يرمي إلى المطالبة بإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي" بحادث مماثل من زاوية الفعل المقترف عرفه المغرب في ستينيات القرن الماضي، وتساءلت في قرارة نفسي هل يتعلق الأمر باحترام لمقولة "أن التاريخ يعيد نفسه"؟، أم أن الأمر يحيل في العمق على إشكالات قيمية مرتبطة بثقافتنا وهوياتنا ومشتركنا، وأبعد من إعادة تكرار حادث غير مأسوف عليه أساء لشعور المغاربة المسلمين واستفز عقيدتهم؟.
وتساءلت كذلك هل يدخل هذا التصرف في نطاق التحولات العميقة التي يعيشها مجتمعنا والتي تتسارع وتيرتها تحت وطأة العولمة ودكتاتورية تقنيات التواصل الجديدة ولغة الرقمين(0 و1) واليوتوب والفيس بوك...
خارج منطق المؤامرة، يمكن القول أن هذه الواقعة كان يمكن أن تكون عرضية ومرتبطة بطيش الشباب أو نزعة للتميز والتمظهر، لكن أن تكون واقعة مرعية من جهات أجنبية ومحاطة بوسائط إعلامية دولية والكترونية، ومدعمة من طرف صحفيين، وأن يرمي هذا الفعل إلى إلغاء فصل من المدونة الجنائية لا يجرم سوى "الجهر بالإفطار في رمضان"، فهو ما لا يمكن أن نجد له أي تبرير. فأما الاحتجاج بمبرر الحرية فلا يستقيم في هذا المقام. فالحريات ليست حقوقا مجردة أو طبيعية (كما يدعي أنصار نظرية العقد الاجتماعي)، بل تمارس في إطار مقتضيات قانونية وتنظيمية، تكفلها وتضمن إمكانية ممارستها، لكن أيضا في المقابل، تقيدها، وتحدد أشكال إعمالها وترسم لها حدودا حتى لا تمس حرية الغير.
هذا الحادث الشاذ والذي يحمل في طياته بذور الفتنة الملعونة (والفتنة أشد من القتل، ولعن الله موقظها) ويخدش شعور المغاربة المسلمين بعنف، يأتي كرونولوجيا بعد حلقات متتالية من المحاولات اليائسة للإساءة إلى الثوابت الوطنية المقدسة.
لابد أن نتذكر في هذا السياق استطلاع الرأي المنجز من قبل منبرين أحدهما وطني والآخر أجنبي، حركه بالنسبة للأول دافع "الاختلاف" الذي اتخذه منهجا لخط أسبوعيتيه (العربية والعجمية)، وتكراره لازمة تكسير الطابوهات لتبرير الإجهاز المنتظم على مجموعة من القيم المغربية الأصيلة التي تكون عماد التماسك الاجتماعي لأمتنا، عبر تكرار نشر الكلمة البذيئة، والصور الفاضحة والعناوين المثيرة وحتى الدعاية للشذوذ والإباحية...أو لم تكن غاية الثاني هي التشويش على التقييم الموضوعي لعشرية من حكم العهد الجديد، والتي كانت بالنسبة للمحللين الجادين والملاحظين المتأنيين عبارة عن حلقات متراصة من البناء والتشييد، بخطى ثابتة وتدبير ديمقراطي وتشاوري مست كل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهندست فعلا لمغرب الغد وغيرت ملامح مغرب الأمس بفتح أوراش مختلفة مهيكلة، ليس أقلها شأنا فتح فضاءات الحرية على مصراعيها، وخلق أقطاب اقتصادية تنموية جديدة، ومحاربة الهشاشة والفقر والإقصاء ببرنامج هيكلي تتم متابعته وتقييمه سنويا...فلماذا يا ترى يتم التشويش على هذه العمليات المندمجة التي تتوخى بناء مغرب جديد، قوامه الحرية والمساواة، مغرب يتسع لكل أبنائه؟، وهل فعلا هناك رغبة حقيقية في سبر أغوار مجتمعنا بهذا النوع من الدراسات، المشكوك في قيمتها العلمية والمعروفة بكونها موجهة؟...هناك إحساس قوي بأن جهات مختلفة خارجية وداخلية تتربص ببلادنا، وتتصيد الفرص للتشويش على مسيرته، وزرع الشك والريبة في دواليب مجتمعنا ولو عن طريق عمليات هجينة مع أقلام لازالت تحن إلى عهد المقيمين العامين ليوطي وجوان...
لابد كذلك أن نعيد إلى الأذهان، كيف قوبل السلوك الحضاري للديوان الملكي حين نقل لعموم الشعب المغربي نبأ وعكة صحية عابرة أصابت جلالة الملك -أطال الله عمره-, وهي سابقة محمودة تتوخى احترام الرأي العام الوطني، ومعاملته بكل تقدير وصراحة وشفافية قطعا للطريق على الإشاعات وتأويلاتها، وترجمة لقيم المواطنة النبيلة واحتراما لعقد البيعة المقدس. فلماذا هرول البعض وراء "سراب السبق"، بإعادة نشر روايات واهية قادمة إلينا من جيراننا بالشمال ومن منبر (الموقع الالكتروني أمبرسيال) وقلم (بيدرو كناليس) يحظيان بسمعة أقل ما يقال عنها أنها مشبوهة حتى لدى القراء الإسبان. أفلا يراد بهذه العملية إجهاض ميلاد ممارسة جديدة متعارف عليها في الأنساق الديمقراطية المتجدرة؟.
رب قائل يقول، إن ما ذهبت إليه ليس سوى جلد للصحافة التي تواجه أزمات مختلفة: عقوبات مادية ومتابعات قضائية وكساد وتراجع أمام ثورة التكنولوجيات الحديثة للتواصل ويسر الملاحة على عباب الشبكة العنكبوتية وسيلان المعلومات المتنوعة، فما دفعني لمقاربة هذا الموضوع هو شعوري بتصحر فضاءات النقاش الهادئ والسجال العميق والجدال الهادف وتخلي غالبية النخب عن وظائفها المختلفة، وفي هذا السياق نلاحظ احتشام النقاش لدى المهنيين في المواضيع الشائكة وتحصنهم وراء إطلاقية مبدأ حرية الإعلام، وهو موقف كابح لجماح التداول الدائر حاليا حول تطوير قانون الصحافة و احترام أخلاقيات المهنة.
ومع ذلك، ورغم التحولات التي تعرفها مهنة المتاعب والمنعطفات الحادة التي تمر منها قافلتها في الوقت الراهن، فإن تحصين مكتسباتنا المختلفة وتقوية جاهزيتنا على التعاطي بثقة مع التحديات المختلفة والمستجدات المتلاحقة وعزمنا على استيعاب القيم الكونية مع تحصين قيمنا الهوياتية يتطلب الاستمرار في دعم صحافتنا وإعلامنا ومواكبتها لكي تبنى على أسس مهنية سليمة.
ولنترك جانبا، فضاءات "صاحبة الجلالة"، ولنمر مر الكرام على تجليات أخرى للمؤامرة دون أن نخوض في انعكاساتها المحتملة على زعزعة هويتنا والمس بتماسك مجتمعنا وما تحمله من أخطار على أجيالنا و ديمومة بلادنا، ومن بينها:
-دعاة تهديم "الدولة-الأمة" الحالمين باستعادة مجد "دار الإسلام" وطوبى الخلافة (بتعبير عبد الله العروي)، والمتسترين وراء "التقية السياسة"، المتحينين لفرصة الانقضاض على الحكم، رافعين شعار الحركة العالمية للإخوان المسلمين "الإسلام هو الحل".
-مريدو المذاهب الدخيلة من شيعة ووهابية وبهائية، خدام أجندات دولية تضع نصب عينيها تقويض مقومات المالكية التي ارتضاها المغاربة مذهبا مرعيا من قبل مؤسسة إمارة المؤمنين، في تعايش مع عقيدة أشعرية وصوفية روحية قائمة على طريقة الجنيد السالك.
-الحالمون بالانفصال، المشحونين بالدعاية المنطلقة من أرض الجيران، والمشرعنين لعملهم بمعجم مقتبس من القضية الفلسطينية، الحاملين لبطاقة التعريف الوطنية المغربية والجواز المغربي ولكن أناملهم الجاحدة ترسم أعلاما ليست حمراء ولا تتوسطها نجمة خضراء خماسية.
-المبشرون بدنو عهد "الدارجة" وأفول زمن "الفصحى"، أو المتعصبون لكتابة الأمازيغية شقيقة العربية وليس ضرتها بالحرف اللاتيني.
-زد على ذلك عمليات التنصير والتبشير التي تخدش شعور المغاربة المسلمين من وقت إلى آخر.
في مواجهة ذلك، ألا نجد "للعنف المشروع" مبررا؟، بلى، فالدولة لم تجد في مواجهة كل هذا المسلسل المدروس من التهجمات على هويتنا وعلى مقدساتنا سوى "أجهزتها القمعية" (بتعبير لويس ألتوسير)، من شرطة وقضاء، ومحاضر ومحاكمات، في مقابل التعطل المخيف ل "أجهزتها الإيديولوجية" فلا مدرسة عمومية قادرة على أداء دور التنشئة الاجتماعية، ولا إعلام مفتوح على انشغالات الأمة وهمومها في الوقت الذي تعطل فيه الإنتاج الفكري أو كاد...وفي الوقت الذي تتقوى فيه النزعة الفردانية رويدا رويدا...أمام هذه السلسلة المتراصة الحلقات يبقى السؤال المشروع كيف يمكن أن نواجه كل تمثلات هذه المؤامرة لتحصين مكتسباتنا والإبقاء على جوهر أصالتنا والتي دأب على نعتها أخي فؤاد عالي الهمة ب"تامغريبيت"، مع استيعاب للقيم الكونية المشكلة لإرث مشترك للإنسانية جمعاء؟.
إنني في هذا المقام، أطرح موضوعا للتداول العمومي بوقائع مصيرية تهم هويتنا وديمومة بلادنا، ولكنها مع الأسف تمر دون أن تستفز عقول "خاصتنا"، لكني أعتقد جازما أن أمة طبعت تاريخها الطويل بقدرة فائقة على مقارعة التحديات المختلفة ودحضها، لقادرة بما تختزنه من طاقات فاعلة على مجابهتها (أي التحديات المتجددة) تحصينا لصرح مغرب الغد الذي نشيده بكل ثقة.د. محمد الشيخ بيد الله
الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة
-
لماذا قذفت الحذاء؟ بقلم : منتظر الزيدي
أنا لست بطلا، لقد تصرفت فقط كعراقي شهد الألم وإراقة دماء الكثير من الابرياء. كان هناك حديث كثير حول الفعل والشخص الذي قامبه وحول البطل والفعل البطولي وحول الرمز والفعل الرمزي.لكنني أجيب ببساطة: إن ما اضطرني للتصرف (بهذا الشكل) هو الظلم الواقع على أهلي، وكيف يرغب الاحتلال أن يذل وطني بوضعه تحت حذائه.خلال السنوات الماضية سقط أكثر من مليون شهيد برصاص الاحتلال، وفي العراق الآن أكثر من خمسة ملايين يتيم ومليون أرملة ومئات ألاف المعوقين، وعدة ملايين مشردين داخل البلاد وخارجها.لقد كنا بلد واحد يتقاسم فيها العربي مع التركماني والكردي والاشوري والصابئي واليزيدي خبزه اليومي، وكان الشيعة يصلون مع السنة في صف واحد ويحتفل المسلمون بميلاد المسيح مع المسيحيين، هذا بصرف النظر عن أننا تقاسمنا الجوع تحت الحصار لأكثر من عقد من الزمان.أن صبر العراقيين لم ينسهم الاضطهاد، لكن الغزو فرق الأخ عن أخيه والجار عن جاره، لقد تحولت منازلنا الى خيام للعزاء.أنا لست بطلا، لكن لدي وجهة نظر، لدي موقف. لقد اذلني أن أرى بلادي ذليلة وأن أرى بغدادي تحترق وأهلي يقتلون.لقد علقت آلاف الصور المأساوية في عقلي تدفعني نحو طريق المواجهة،فضيحة أبو غريب، مذبحة الفلوجة، النجف، حديثة، مدينة الصدر، ...وكل شبر من أرضنا الجريحة، أن شعورا بالخجل لازمني لأنه لا حول لي. ما أن أنهى واجباتي المهنية في نقل أخبار المآسي اليومية، حتى أقدم عهدا لضحايانا، عهدا بالثأر.لقد حانت الفرصة واقتنصتها، اقتنصتها وفاء لكل قطرة من الدماء البريئة التي سالت بسبب الاحتلال.أقول لاولئك الذين يلومني: هل تعلمون كم منزلا مهدما دخلها هذا الحذاء الذي قذفته؟ كم مرة داس هذا الحذاء على دماء ضحايا أبرياء؟ ربما كان هذا الحذاء الرد المناسب عندما انتهكت كل القيم.عندما قذفت الحذاء بوجه المجرم جورج بوش أردت أن اعبر عن رفضي لأكاذيبه، لاحتلاله بلادي، لقتله أهلي، نهب ثروات بلادي وتدمير بنيتها التحتية، وتهجبر أبنائه الى الشتات.وإذا أسأت للصحافة عن غير قصد، فاني اعتذر، أن كل قصدي كان التعبير عن مشاعر مواطن يرى أرضه تنتهك كل يوم.أن المهنية التي بكى عليها البعض تحت كنف الاحتلال، يجب أن لا يكون لها صوت أعلى من صوت الوطنية.أنا لم أفعل هذا حتى يدخل اسمي التاريخ أو من أجل مكاسب مادية، كل ما أردته هو الدفاع عن بلدي.بقلم: منتظر الزيدي
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)