إعلان

‏إظهار الرسائل ذات التسميات محمد الراجي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات محمد الراجي. إظهار كافة الرسائل
  • عنصرية بني جلدتنا أمرّ وأشدّ وأقسى
    1)

    في مقال طويل ترجمْته بعض الجرائد المغربية إلى العربية كتب الصحافي الجزائري مصطفى كسوس مقالا في صحيفة "لوموند" الفرنسية التي يشتغل فيها، يحكي فيه تفاصيل معاناته مع العنصرية التي يلقاها من الفرنسيين أثناء مزوالة عمله. مصطفى كتب قائلا: "لقد اضررت إلى بتر جزء من هويتي، واضطررت إلى محو هذا الاسم العربي من محادثاتي، فأن أنطق بمصطفى فهذا يعني المجازفة برؤية محاورك وهو يرفض الكلام معك".
    ولذلك عندما يحمل سمّاعة الهاتف للاتصال بشخص ما، ويسأله مخاطبه عمن يكون، يكتفي بالقول "أنا مسيو كسوس" من صحيفة لوموند".
    وبين سطور مقاله يحكي مصطفى تفاصيل عدد من المواقف التي وجد فيها نفسه وجها لوجه أمام عنصرية الفرنسيين. ومن بين هذه المواقف أنه توجه ذات يوم إلى منزل والد فتاة فرنسية تعرضت للقتل على يد شاب مغاربي لإنجاز تحقيق حول وقائع الجريمة، وعندما فتح الأب الباب وتعرّف على هوية الصحافي مصطفى، نظر إليه بطرف عينه وقال له جملة واحدة: "أكره العرب". قبل أن يغلق باب البيت.
    عندما يسمع الانسان مثل هذا الكلام القاسي، سيساوره في البداية شعور بأن ما تفوّه به ذلك الأب الفرنسي هو قمة العنصرية، لكن عندما تنظر إلى الأمر بعين العقل والمنطق بعيدا عن العواطف ستكتشف أن الأمر يتعلق برد فعل إنساني طبيعي. فهذا الأب المكلوم يكره العرب لأن الذي قتل فلذة كبده واحد منهم، تماما كما يكره العراقيون أمريكا وجورج بوش والشعب الأمريكي برمته، بعد أن فقدوا فلذات أكبادهم ومعارفهم على يد جنود الاحتلال الأمريكي، وكما يكره الفلسطينيون عساكر الجيش الاسرائيلي والمسؤولين الاسرائيليين. مشكلتنا إذن، هي أننا لا نحلل الأمور بعين العقل والمنطق، بل بالعواطف مثل الأطفال الصغار!
    2)
    المهاجرون المنتمون إلى الدول العربية على الخصوص يشتكون كثيرا من عنصرية الغربيين، لكن ما هو مفهوم العنصرية أصلا؟ عندما تلقي هذا السؤال على أي مهاجر سيجيبك بأن أوروﭙـا وأمريكا وكندا وأستراليا، أي الغرب بصفة عامة، لم يعد كما كان في الماضي. اليوم صار الحصول على بطاقة الاقامة عسيرا للغاية إن لم يكن مستحيلا، والغربيون يفضلون تشغيل بني جلدتهم على تشغيل العرب والمسلمين.. إلخ.
    لنأخذ المسألة مرة أخرى بعين العقل والمنطق، ونذهب إلى الدول العربية وسنكتشف أن هذه الدول بدورها، خصوصا دول الخليج الغنية، توجد فيها عنصرية كتلك التي في الغرب أو أكثر، على اعتبار أن الغرب فيه عدالة تحمي المسضعفين، بينما العدالة العربية لا تحمي إلا الأقوياء وتسحق المستضعفين!
    ففي الامارات العربية المتحدة مثلا، صار الحصول على بطاقة الاقامة أمرا أشبه بالمستحيل بالنسبة للمهاجرين الآسيويين وحتى العرب، بل صار الحصول حتى على الـﭭيزا أيضا مستحيل، والفتيات المغربيات اللواتي ترفض سلطات الهجرة الاماراتية أن تمنهحن التأشيرة تحت ذريعة أن كل المغربيات عندما يصلن إلى أرض الامارات يفسدن أخلاق الشباب الاماراتي يشعرن بالعنصرية، لاعتبار أن حرية التنقل بين البلدان مكفولة للجميع، لكن العرب لا يحتجون على العرب، ريفضلون صبّ جامّ غضبهم على الغرب لوحده، وذهبت الوقاحة بالسلطات الاردنية إلى حدّ منع أي فتاة مغربية من دخول ترابها إذا كان سنّها يقل عن 35 سنة، ومع ذلك يتحدثون عن "الأخوّة" العربية. ولعلكم تذكرون ذلك المهاجر الفليـﭙيني الذي شاهد العالم أجمع مشاهد التعذيب الوحشية التي تعرض لها على "يوتوب" من طرف أحد أفراد العائلة الحاكمة هناك، ولم يتعرض هذا الأخير حتى لأدنى متابعة قضائية. فهل يمكن أن يحدث ذلك في إحدى البلدان الغربية الديمقراطية؟ مستحيل. إذن حْنا اللي عندنا العنصرية ديال بْصحّ!
    وفي المملكة العربية السعودية تمّ سنّ قانون يجبر أرباب المصانع والمعامل والشركات بـ"سعْودة" الوظائف، أي إعطاء الأولوية لليد العاملة السعودية قبل تشغيل الأجانب، فلماذا نلوم الدول الغربية إذن على تفضيل أبنائها على المهاجرين، علما أن ظروف عمل المهاجرين هناك لا يمكن مقارنتها على كل حال بظروف العذاب المهين التي تعيشها اليد العاملة الأجنبية على أرض بلد الحرمين الشريفين، حيث لا يعترفون حتى بشيء اسمه التقاعد!
    أما ليبيا فقد قررت قبل شهور أن تطرد جميع اللاعبين الأجانب الممارسين في الدوري الليبي لكرة القدم نحو بلدانهم، بمن في ذلك اللاعبون العرب، تحت ذريعة تكوين جيل من اللاعبين الليبيين القادرين على الرفع من شأن كرة القدم الليبية.
    وقبل أيام صدرت نسخة طبعة جديدة من كتاب "كنت طبيبا لصدام حسين"، يحكي فيه مؤلفه الدكتور علاء بشير الذي كان يشتغل في إحدى المستشفيات العراقية المخصصة لمعالجة النخبة العراقية الحاكمة كيف أجبر ابن صدذام حسين عديّ المطرب كاظم الساهر على التوقيع على حذائه في إحدى السهرات، قبل أن يطلب منه التوقيع بيده على أحذية جميع ضيوفه، وهو الأمر الذي أذعن له كاظم الساهر، بسبب الخوف من بطش عديّ، وبعد ذلك بأيام قرر مغادرة العراق ولم يعد إليها أبدا مفضلا العيش في المنفى. أليست هذه الأفعال عنصرية؟ بلى. ولكننا نتعامى عن أفعال "أشقائنا" ونصبّ جام غضبنا على الغرب، الذي نتخذه شماعة نعلق عليها جميع مشاكلنا ومصائبنا، لأن هوايتنا المفضلة بعد التباكي هي رفع سبابة الاتهام في وجه الآخر(الغرب). فلا تلوموا الغرب أيها العرب ولوموا أنفسكم إن كنتم تعقلون.
    3)
    ويبقى السؤال المرّ هو: لماذا يا ترى يهاجر العرب إلى الغرب، ويخاطر الشباب العربي بحياته في البحار من أجل بلوغ هذا الغرب العنصري؟
    الجواب عن هذا السؤال هو: لأن العرب داخل بلدانهم يعانون من عنصرية أقسى وأشدّ وأمرّ من تلك التي يدّعون أنهم يعانونها في الغرب.
    ولعلكم تذكرون كيف قامت القيامة على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يوم كان وزيرا للداخلية الفرنسية ووصف أبناء المهاجرين الذين يثيرون الشغب في الضواحي الباريسية بـ"الأوباش"، وهو وصف سبق للحسن الثاني أن وصف به سكان الريف المغربي إبّان انتفاضتهم الشهيرة، بل وصلت به الجرأة إلى القول في خطاب شاهده الناس على شاشة التلـﭭزيون بأن الذين يثيرون الشغب "غادي يْطلي ليهم بيبان دارهم بْداكشّي اللي ما كايتسمّاش"! ومع ذلك ابتلع الناس ألسنتهم وصمتوا، ولم يستطع أحد أن يقول للملك حتى: "والله يْلا حشومة هادشي اللي كاتـﮕول"!
    وقبل أيام فقط، قامت القيامة مرة أخرى على وزير الداخلية الفرنسي بريس أوتفو عندما قال بأن العرب إذا كثروا يسببون المشاكل لفرنسا، وهو تصريح لابد أن يدفع حزب ساركوزي ثمنا له في الانتخابات الرئاسية القادمة، لأن الحزب الاشتراكي لن ينسى مثل هذه الهفوات الفظيعة، بعد أن طالب باستقالة الوزير العنصري.
    وإذا كان المهاجرون العرب يجدون من يدافع عنهم في فرنسا وفي كل البلدان الديمقراطية، فعلى المهاجرين المغاربة أن يتذكروا بأن وزير الداخلية المغربي الأسبق إدريس البصري الذي انتهى به المطاف بدوره مهاجرا سريا في باريس، سبق له أن وصف الشهداء الذين سقطوا بالرصاص الحي في مظاهرات الدار البيضاء عام 1981 بـ "شهداء كوميرا"، ولم يستطع أحد حتى أن يستنكر ذلك، فأحرى أن تطلب جهة ما باستقالة البصري ومتابعته قضائيا. إن العنصرية التي نعانيها في بلداننا أشدّ وأقسى وأمرّ من عنصرية الغربين تجاهنا.
    4)
    ثم إن العنصرية لا تتجلى فقط في مثل هذا الكلام القاسي الذي يتفوه به رجال الدولة في حق أبناء الشعب. العنصرية أيضا هي أن تذهب إلى إدارة عمومية ويعاملك الموظفون البؤساء كحشرة بلا قيمة. العنصرية هي أن يعيش ستة ملايين مغربي بدولار واحد في اليوم وفي نفس الوقت يتلقى مدراء مؤسسات عمومية تعويضات شهرية خيالية يمكن أن تصل حتى إلى مائة مليون سنتيم في الشهر أو أكثر. العنصرية هي أن يموت الناس على أبواب المستشفيات مثل الكلاب الضالة. العنصرية هي أن تذهب إلى مستشفى عمومي لاجراء عملية جراحية بسيطة، ويعطونك موعدا غير محدد الأجل، فقط لأنك لا تملك مبلغا ماليا لدفعه كرشوة. العنصرية هي أن يقتحم البوليس بيوت الناس بعد أن يكسروا أبوابها ويعتدون على الشيوخ والنساء ويرفسون الرجال تحت أحذيتهم في الشوارع، فقط لأن هؤلاء خرجوا للتظاهر دفاعا عن حقوقهم كم حدث في سيد إفني، وعوض أن يتم محاسبة الذين استباحوا أعراض الناس ونهبوا ممتلكاتهم قاموا بالزج بالذين قادوا المظاهرات في السجون.
    لأجل كل هذا يجدر بالمهاجرين العرب في الغرب أن يحمدوا الله لأنهم على الأقل يعيشون في بلدان لا تضيع فيها حقوقهم كما يحصل في بلدانهم الأصلية، وإلا فما عليهم سوى أن يعودوا إلى بلدانهم الأصلية باش يشوفوا العنصرية ديال بصحّ!
    محمد الراجي
    Lesoir2006@gmail.com

  • الوأد العصري
    1)

    المرأة في العالم العربي ما تزال محتقرة، رغم مئات الجمعيات المدافعات عن حقوق النساء، ورغم الاصلاحات التي تقوم بها بعض البلدان العربية للرفع من قيمة المرأة وإحقاق نوع من المساواة بينها وبين الرجل. (مدونة الأسرة في المغرب كنموذج).

    وعلى الرغم من أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين، إلا أن نظرة المجتمعات العربية نحو المرأة لم تتحسن كثيرا عمّا كانت عليه في العصر الجاهلي!

    ففي ذلك العصر الأسود بمجرد أن تغادر الأنثى رحم أمها وتطلق صرختها الأولى في واد الحياة أول ما يقوم به والدها هو أن يحملها بين يديه القاسيتين في اتجاه المقبرة ويدفنها حيّة لأجل التخلص من "العار"!

    عمل شنيع وبشع وفظيع وإجرامي، وصفه ربّ العالمين في القرآن الكريم قائلا: "وإذا بُشِّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مُسْودّا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر به، أيُمْسكه على هُون أم يدسّه في التراب، ألا ساء ما يحكمون". صدق الله العظيم. وفي آية أخرى يقول الله تعالى: "وإذا الموْؤودة سُئلت بأيّ ذنب قُتلتْ".

    وعندما جاء النبي محمد عليه الصلاة والسلام بدأ الناس يخرجون من ظلمات الجهل تباعا، وصاروا أكثر تحضرا، بعدما كانوا في العصر الجاهلي مجرد وحوش بلا أحاسيس. "إنا أنزلناه إليك (القرآن) لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد".

    لكن إيذاء النساء لم ينته بشكل كامل، وإن كان الناس قد كفّوا عن وأد الاناث، وكان الايذاء نفسيا هذه المرة، عبر "المعاكسة". وإزاء ذلك أنزل الله آية يخاطب فيها رسوله الكريم قائلا: "يا أيها النبيء قل لأزواجك وبناتك ونساء المومنين يُدْنين عليهن من جلابيبهن، ذلك أدنى أن يّعرفْن فلا يوذين".

    2)

    في عصرنا الحالي ما زال الناس متمسكين بأوامر الاسلام التي تحمي الاناث من الوأد، لكن ثمة قليل من التفكير الجاهلي مترسخ في العقول، ويتجلى ذلك تحديدا في أن كثيرا منا نحن العرب، أو كلنا على الأرجح، بمجرد أن يعلم أحد منا بخبر حمل زوجته أول ما يتمنّاه هو أن يكون المولود المرتقب ذكرا وليس أنثى!

    ويمكن تسمية هذه الكراهية المتجذرة في العقول تجاه الأنثى في عصرنا الحالي، وفي الوطن العربي على الخصوص، بـ"الوأد العصري"!

    ويوجد أزواج كثيرون يحددون عدد الأطفال الذين يرغبون في إنجابهم في اثنين أو ثلاثة أو أقل، وتشاء قدرة الخالق سبحانه وتعالى أن يكون المواليد المتفق على إنجابهم جميعا إناثا، وتحت ضغط ذلك الجزء الجاهلي المترسخ في العقليات يضربون كل حساباتهم السابقة في الصفر، ويستمرون في الانجاب عسى الله أن يمنّ عليهم بمولود ذكر، وكأن الاناث مجرد "شيء" بلا قيمة. ولو أجريت دراسة حول أي المواليد يفضل الأزواج المقبلون على الانجاب لأول مرة في الوطن العربي هل الذكر أم الأنثى، لمالت الكفة جهة الجنس الذكوري بلا شك، أي أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين، لكن بعقليات تعود إلى زمن وأد الاناث في العصر الجاهلي!

    الفرق الوحيد بين وأد الزمن الحالي ووأد ذلك الزمن البعيد هو أن الناس وقتذاك كانوا يئدون الاناث عمليا، وفي الزمن الحاضر يئدونهن بشكل رمزي! اختلفت الأسباب والكراهية واحدة.

    3)

    ولو كان بإمكان عامّة الناس أن يلجؤوا إلى المختبرات الطبية لاختيار نوع جنس المولود الذي يريدون، عبر أخذ الحيوانات المنوية الحاملة للكروموزوم الذكري وتلقيح البويضة بها بعد ذلك، كي تعطي جنينا ذكرا، وهي التقنية التي بدأ العمل بها في عدد من البلدان العربية، لكثُر الاقبال على هذه المختبرات، وللاقى عمل الأطباء بها إقبالا منقطع النظير، لأن الذكر في العالم العربي له مكانته الخاصة، التي لا تستطيع الأنثى بلوغها، رغم أن الاناث في مجالات عدة يتفوقن على الذكور، حتى في مجال السياسة، وأكبر دليل هو أن القادة العرب الاثنين وعشرين جميعهم ذكور، ورغم ذلك تتلاعب بهم إناث رقيقات يرأسن الحكومات الغربية أو يحملن فيها حقائب وزارية هامة، بدءا بكوندوليزا رايس وأنجيلا ميركل مرورا بتْسيبي ليـﭭني وانتهاء بهيلاري كلينتون، فأهم ما في الانسان هو العقل، سواء ذكرا كان أم أنثى، لكن العرب يصرّون على أن الشارب الكثّ الأشعث هو الأهم!

    4)

    كراهية الأنثى واحتقارها في العالم العربي مرض متجذر في العقول، تزيده التربية الخاطئة التي يتلقاها الأطفال في الصغر رسوخا. وقبل رمضان الماضي قامت دولة البحرين بطرد 500 شابة مغربية من على ترابها بتهمة ممارسة الفساد، وكان من الطبيعي أن توجّه إليهن سهام السبّ والشتم والقذف واللعن، لكن أحدا لم يوجه ولو مجرد كلمة لوم واحدة لمواطني البحرين الذين يلجون الفنادق والمراقص الليلية والشقق المفروشة التي كانت هؤلاء النسوة يمارسن فيها الفساد.

    فإذا كان عدد هؤلاء النسوة الفسادات 500 امرأة، فعدد الذكور الفاسدين والزناة الذين كانوا يعاشرونهن يتجاوز الآلاف، لكن أحدا لا يستيطع أن يلوم هؤلاء على فساد أحلاقهم، لأن الذكور في العالم العربي المتخلف لا يجلبون "العار" لعائلاتهم كما هو الشأن بالنسبة للاناث، بل العكس، ففحولة الذكر تجلب الفخر لصاحبها وذويه، ما دام أن الذكر فاعل والأنثى "مفعول به"، وهذه هي النقطة التي تثير الجنون في عقلية الانسان العربي، وليس العمل بشرع الله، حيتْ الشرع ديال سيدي ربّي لا يفرق بين الأنثى وبين بوركابي!

    5)

    وعندما نعود إلى القرآن الكريم نجد أن الله تعالى ساوى بين الزاني والزانية في حدّ الزنا، ويقول تعالى في سورة النور: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر". لكن هذه المساواة التي نادى بها القرآن الكريم تغيب في تعاملنا مع الذكر والأنثى، فالزانية عندما يشهد عليها الشهود تصير منبوذة من طرف المجتمع، ويتسحيل أن تجد زوجا بعد واقعة الزنا، هذا إذا لم يرسلها أحد أفراد عائلتها إلى القبر بذريعة تطهير شرف العائلة! لكن الزاني يستطيع أن يتزوج بأشرف النساء حتى ولو زنى ألف مرة، لأن الذكر لا يتوفر على بكارة، ولأن الذكر عندنا له قيمة مهما بلغت جرائمه، والأنثى مجرد "شيء" بلا قيمة ولو لم ترتكب أي جريمة، وكل ذلك بسبب عقلياتنا التي ما زالت تكتنفها الأفكار السوداء التي ورثناها عن أجداد أجدادنا الذين عاشوا في العصر الجاهلي!


    محمد الراجي
    Lesoir2006@gmail.com

  • لماذا لا يؤثر الدين على سلوكنا؟

    1)
    بانتهاء شهر رمضان تكون حياة الناس قد عادت إلى وتيرتها الطبيعية، بعدما فرض عليهم شهر الصيام الالتزام بنظام صارم استغله البعض لمضاعفة حسناته في ميزان الأعمال الأخروية واستغله البعض الآخر في السهر والنوم والأكل بشراهة.
    ابتداء من يوم عيد الفطر يكون عدد صفوف المصلين الذين كانوا يصطفون خلف الأئمة في بيوت الله قد تقلص بشكل كبير، وتكون الدروس الدينية التي كانت تلقى من على المنابر قبيل صلاة العشاء قد تقلصت بدورها، وكأن المؤمنين بحاجة إلى الصلاة والتوعية الدينية فقط خلال أيام الشهر الكريم.
    الكثيرون يتساءلون عن السبب الذي يجعل الناس يُقبلون على الصلاة في المساجد بكثرة خلال رمضان، وبعد ذلك لا يجد هؤلاء الناس حرجا في سماع صوت المؤذن ينادي للصلاة وهم جالسون على أرصفة المقاهي يرتشفون فناجين القهوة والشاي وكأن المؤذن يوجه نداءه إلى سكان كوكب آخر. وبعيدا عن الاستعانة بتبريرات فضفاضة، يمكن أن نقول بشكل صريح أن السبب يعود إلى كون الدين عندنا مع الأسف ما زال الكثيرون يتخذونه عادة لا أكثر ولا أقل. عندما يرى الانسان جاره ذاهبا إلى المسجد لأداء صلاة التراويح، يحمل بدوره سجادة ويصطحب أبناءه إلى المسجد، كي يكون واحدا من أيها الناس. فكما يتنافس الناس على ملء الموائد عن آخرها بشتى أنواع الطعام يتنافسون أيضا في العبادة، ولكن غير يفوت رمضان كاتسالي المنافسة!
    2)
    اتخاذ شهر رمضان عادة وليس عبادة يتجلى بشكل واضح في كون عدد من الناس لا يصلون، ومع ذلك يصومون، لأن ترك الصلاة لم يعد "عيبا"، بينما ترك الصيام والافطار في شهر رمضان يجلب للمفطر سخط المجتمع، ومعه شي بركة ديال الحبس!
    الأغلبية الساحقة من المغاربة يصومون، لكن عدد المصلين قد لا يتجاوز ستّين أو سبعين بالمائة في أحسن الأحوال، وعدد الذين يزكّون أموالهم ضئيل، رغم أن الصلاة والزكاة هما ثاني وثالث أركان الاسلام بعد الشهادتين، لكننا نضع الصيام في المرتبة الأولى، لأن أي واحد يسألك إن كنت تصلي أم لا وتجيبه بالنفي يتقبل جوابك بشكل عادي ويدعو لك بالهداية، ونفس الشيء بالنسبة للزكاة، وعندما يسألك أحدهم إن كنت تصوم أم لا، وتجيب بالنفي مشيتي فيها! وهذا يعني أننا كانخافو من العبد وما كانخافوش من سيدي ربي!
    فالصلاة ليست أصعب من الصيام على دوامها، لكن تساهل المجتمع مع تاركيها يسمح للكثيرين بالتخلي عنها، مثلما يتخلون أيضا عن إخراج الزكاة، وها نحن اليوم نرى جمعيات تطالب بحذف البند 222 من القانون الجنائي الذي يعاقب مفطري رمضان بما بين شهر وسنة من الحبس، فلو كان المجتمع والمخزن يتساهل مع "وكّالين رمضان" مثلما يتساهل مع تاركي الصلاة والزكاة، لاكتشفنا أن نسبة 99,99 بالمائة من الذين يصومون رمضان لم نصل إليها إلا عن طريق الخوف والزيار!
    3)
    بعد انقضاء رمضان أيضا ستعود أجنحة بيع الخمور في الأسواق التجارية الكبرى إلى فتح أبوابها، وتعود المشروبات الروحية بكل أنواعها إلى "كونطوارات" البارات والحانات والملاهي الليلية، هذه الأماكن لا يؤمها إلا المغاربة المسلمون، وعندما تمنع عنها وزارة الداخلية الخمور طيلة شهر رمضان وتفتحها بعد العيد مباشرة فإنها تعترف من تلقاء نفسها أن ذلك البند من القانون الذي يحرم بيع الخمور إلا لغير المسلمين ليس سوى ضحكا على القانون نفسه، ما دام أن رواد متاجر بيع الخمور والحانات كما أسلفنا هم من المسلمين، ولكن وزارة الداخلية لا تستطيع أن تمنع الخمور بصفة نهائية، لأنها تجني من ورائها سبعين مليار سنتيم على شكل ضرائب كل عام، داكشي علاش دايرين ليها هاد التخريجة البايخة، ولكن الله سبحانه وتعالى ما غاديش يدوزوها عليه!
    4)
    ويبقى السؤال المحير هو: لماذا لا تؤثر العبادة على تصرفاتنا؟
    في شهر رمضان يمكنك أن ترى شخصا يفطر داخل سيارته ويرمي قنينة العصير أو علبة الحليب من نافذة السيارة على قارعة الطريق، وكأنه لا يعرف أن إماطة الأذى عن الطريق كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام يعتبر شعبة من شعب الايمان. في رمضان يصوم الناس ومع ذلك لا يمكن أن يمر يوم دون أن تحدث معارك حامية الوطيس في الأسواق والشوارع وفي كل مكان، مع ما يرافقها من السباب والكلام النابي. في رمضان أيضا، بمجرد أن ينطق الامام عبارة "السلام عليكم" بعد الفراغ من صلاة المغرب حتى يهبّ الجميع نحو باب المسجد حتى قبل أن يستدير الإمام نحو المصلين، ما يعني أن صفة الخشوع الذي يعتبر واحدا من ركائز الصلاة لا يتوفر للكثيرين، ما دام أن هذا التصرف يدل على أنهم حاضرون بأجسادهم داخل المسجد فيما عقولهم ترفرف فوق مائدة الافطار. الغريب في الأمر هو أن الانسان يستطيع أن يصوم خمس عشرة ساعة كاملة، ولكن غير كايودّن المغرب كايتقاضا الصبر، وكأن تأخير الفطور لبضع دقائق سيؤدي بالصائم إلى الهلاك.
    الحاصول واهلي شحال خاصنا باش تكون التصرفات ديالنا منسجمة مع روح الدين الاسلامي، الذي نتخذه شعارا، وقلّما نعمل على تطبيق قواعده على حقيقتها.


    محمد الراجي
    Lesoir2006@gmail.com

  • سيتكومات بليدة عرفت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأسبوع ما قبل الماضي سجالا حادا بسبب رفض عدد من الأمريكيين فكرة إلقاء الرئيس باراك أوباما خطابا موجها إلى التلاميذ بمناسبة الدخول المدرسي الجديد، بذريعة أن أوباما يريد استغلال الأطفال بإقحامهم في السياسة. ورغم أن الحزب الجمهوري هو الذي قاد حملة الوقوف ضد خطاب أوباما الموجه إلى أطفال أمريكا، وهذا يدخل في إطار الصراع الأبدي بين الجمهوريين والديمقراطيين، فالذي يهم في نهاية المطاف هو أن الأطفال في بلاد العم سام، وفي البلدان المتقدمة عموما، لديهم من يدافع عنهم ويحمي عقولهم الصغيرة من غزو أفكار قد لا تلائمها، ويحول بينهم وبين استغلالهم وشحنهم من طرف أي جهة كانت، بمن في ذلك رئيس الدولة بنفسه، وما أحوجنا اليوم في المغرب إلى من يحمي الأطفال من السخافات التي يبثها التلفزيون العمومي هذه الأيام متمثلة في السيتكومات الرمضانية.
    إحدى السيدات الأمريكيات اتصلت بأحد البرامج التلفزيونية وقالت محتجة: "ليس من حق أوباما أن يقحم أطفالنا في السياسة، وإذا أراد أن يرفع من شعبيته فعليه أن يبحث عن طريقة أخرى بعيدا عن استغلال عقول أطفالنا الصغار".
    هذه الجملة البليغة يجدر بالآباء والأمهات المغاربة أن يتأمّلوها ويرددوها في أنفسهم مع أذان مغرب كل يوم خلال هذا الشهر الكريم وهم يرون أطفالهم الصغار يبتلعون ما لذّ وطاب من الطعام على مائدة الافطار و "يبتلعون" معه "الأفكار" السخيفة التي يسمعونها من أفواه ممثلي السيتكومات طيلة أيام شهر رمضان الكريم.
    وإذا كان جميع المغاربة ينتقدون هذه السيتكومات وينتقدون مضمونها الفارغ ويهربون إلى الفضائيات العربية لمشاهدة أعمال درامية تحترم ذكاءهم وعقولهم، فإن الجمهور الناشيء المتشكل من الأطفال الصغار والمراهقين يظل وفيا لمتابعة ما يقدمه الناصري والخياري وفهيد من تفاهات، في ظل غياب دور كثير من الآباء والأمهات في تأطير أطفالهم وتوجيههم لمشاهدة ما هو مفيد.
    السبب الوجيه الذي يفرض على هؤلاء الآباء حماية أطفالهم من مشاهدة تفاهات الأعمال التلفزيونية الرمضانية ليس مردّه أن هذه الأعمال لا تعود بأي نفع معرفي على من يشاهدها، بل لأنها تساهم، إضافة إلى هذا السبب، في زرع "أفكار" مغلوطة في عقل المتلقي، وتحمل إليه "قيما" بعيدة عن قيم المجتمع الذي يعيش فيه، وترسّخ في ذهنه طقوسا بائدة عفا عنها الزمن، خصوصا إذا كان هذا المتلقي/المشاهد، لم يصل بعد إلى مرحلة النضج الفكري حتى يستطيع التمييز بين الأشياء، كما هو الحال بالنسبة للأطفال الصغار.
    ولعل من يتابع السيتكومات الرمضانية سيكتشف أنها لا تعالج موضوعا ولا قضية، وسيكتشف أن أسوأ ما فيها، إضافة إلى محتواها الفارغ، هو أنها تعيد إحياء أفكار بالية لم يعد لها وجود إلا داخل مخيلة "كتبة" سيناريوهات هذه السيتكومات.
    هكذا، ما تزال شخصية "الشلح" و "العروبي"، عرضة للسخرية والاستهزاء بسبب اللكنة التي تنطق بها هذه الشخصية دارجة محور الدار البيضاء والرباط، والحال أن هذه اللكنة لم تعد طاغية على ألسنة "العروبي" القادم في الأغلب الأعم من دكالة، و"الشلح" القادم من منطقة سوس، ويكفي القيام بزيارة إلى الأماكن التي تشتغل فيها "الجالية" السوسية مثلا، في الدار البيضاء والرباط لكي يلاحظ المرء ألاّ فرق بين اللسان البيضاوي والرباطي "الأصيل"، وألسنة المغاربة المهاجرين إلى البيضاء والرباط من مختلف مناطق المغرب، خصوصا الجيل الثاني والثالث. وحتى إذا ما كان هناك فرق فليس بالحدّة التي يحاول ممثلو السيتكومات أن يقدموه بها، فنحن نعيش في القرن الواحد والعشرين، الذي اختلط فيه الشمال بالجنوب والشرق بالغرب، واختلط العرب والأمازيغ وتزاوجوا وتصاهروا، وهؤلاء الممثلون يعيشون بعقليات توقفت محركات تطورها عند سنوات الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، يوم كان السوسي لا يتجاوز حدود السوق الأسبوعي لقريته المنعزلة في جبال الأطلس الصغير.
    ويا ليت الأمر يتوقف عند حدّ السخرية من لكنة الغير منتمين إلى محور الدار البيضاء/الرباط لهان الأمر، الكارثة أن هذه السيتكومات تزرع في عقول الأطفال الصغار "أفكارا" ومعتقدات وطقوسا بالية لم يعد لها وجود إلا في المجتمعات الغارقة في مستنقعات الجهل والتخلف. ففي إحدى حلقات الأسبوع الماضي من سلسة "دار الورثة"، رأينا مشهدا لابد أن كل الأطفال الذين شاهدوه ستترسخ في أذهانهم الصغيرة تلك المعتقدات التي تقول بأن استخراج الكنوز يحتاج إلى تلك الطقوس التي يحضر فيها البخور و"التعزيم" وكل تلك الخرافات الأخرى، وهم يشاهدون الممثلين في السلسة يقومون بحفر "الكنز" داخل بيتهم، وفي إحدى الغرف كان اثنان آخران يقومان بـ"التعزيم" على إيقاع الأبخرة المكثفة المتصاعدة من المبخرة. الأطفال الذين يرون مثل هذه المشاهد ستظل صورة الأبخرة وأصوات "المعزمين" مترسخة في أذهانهم إلى الأبد، ومن تم سيعتقدون بأن استخراج الكنوز لابد أن يتم بتلك الطقوس البالية، ولن يصدقوا أبدا أن علماء الآثار يستخرجونها دونما حاجة إلى ذلك، فالمعلومات التي يتلقاها الأطفال في الصغر هي كما النقش في الحجر لا ينمحي.
    وما يزيد من خطورة الأمر هو أن أطفالنا لا يجدون في الغالب من يجيب عن أسئلتهم عندما يطلبون توضيحات حول ما يرونه على الشاشة، في ظل غياب التأطير الأسري بسبب مشاغل الآباء والأمهات ولا مبالاتهم في أحيان كثيرة، وحتى إذا أجابوا فكثير منهم هم بأنفسهم يؤمنون بمثل هذه الخرافات، وقد يزكّون ما يشاهدونه على الشاشة ليزداد رسوخا على رسوخ في عقلية الأطفال.
    وإذا كان هذا هو حال الأسرة، فالمدرسة ليست أحسن حالا، وبالتالي تبقى أذهان الأطفال قابلة لتصديق هذه الخرافات ما داموا لا يتوفرون على مناعة تحمي عقولهم الصغيرة من تسلل هذه "الأفكار" المغلوطة التي يحملها إليهم التلفزيون، والذي يعتبر أقوى وأخطر وسيلة للتأثير على عقل المتلقي، خصوصا في بيئة فارغة من الناحية الثقافية والتأطيرية كالبيئة المغربية.
    إضافة إلى ذلك، تقوم السيتكومات التي تقدم على التلفزيون العمومي خلال شهر رمضان بتقديم الشخصية المغربية في صورة كاريكاتورية سخيفة لم يعد لها وجود، ولا تختلف عن الصورة التي كان يرسمها عنا المستعمر الفرنسي والاسباني في بداية القرن الماضي.
    الشخصية المغربية في هذه السيتكومات شخصية تافهة هشّة جاهلة تبكي بلا سبب، وترتعد فرائصها أثناء التحدث إلى شخصية أخرى تفوقها مرتبة اجتماعية، وتعاني من بلادة مفرطة.
    في إحدى حلقات سلسة "دار الورثة" دائما، والتي نتخذها كمثال نظرا لقربها من المعيش المغربي العادي، نجد الشاب "هشام"، (يلعب دوره عبد الصمد مفتاح الخير) يرتدي سروال دجينز، ويطلي شعره بـ"جيل"، ويعزف على العود والقيثارة، أي أنه شاب متمدن ومتعلم و"عصري"، لكن شخصيته هشة للغاية، عندما جاء المخاض زوجته (هاجر عدنان) عوض أن يكون "رجلا"، ويحملها إلى المستشفى، ويقف بجانبها إلى أن تنجب، عوض ذلك ظهر محتارا لا يدري ما يفعل، زوجته تتوجع من آلام المخاض وهو جالس إلى جانبها يستجدي والده الطاعن في السن (عبد الجبار لوزير) أن يفعل شيئا بصوت أقرب إلى البكاء. مثل هذه المشاهد تكرس أكبر صفة سلبية في عقل الأطفال الذين يشاهدونها، وهي صفة التواكل. في الوقت الذي يرى فيه هؤلاء الأطفال نظراءهم في البلدان المتقدمة ينافسون الرجال ويقومون بأعمال خارقة.
    في نفس السلسلة "دار الورثة"، يظهر نفس الشاب المتمدن العصري المتعلم الذي يتقن العزف على القيثارة والعود في درجة قصوى من البلادة عندما رغب في قضاء شهر العسل رفقة عروسه في إسبانيا، حيث لم يتجاوز المبلغ الذي طلبه من والده- مرة أخرى- مليون سنتيم. الطامة الكبرى أن العروسة، كانت ترطن بكلمات فرنسية، أي أنها متعلمة أكثر، ومع ذلك لم يتساءل أحدهما إن كان مبلغ مليون سنتيم كافيا لقضاء شهر كامل في إسبانيا، وهو المبلغ الذي يمكن لأي شاب مغربي، حتى ولم لم يسبق له أن دخل المدرسة، أن يقول لك بأنه بالكاد يكفي لإيصال شخصين على متن الطائرة إلى مطار مدريد باراخاس!
    صحيح أن السيتكومات ليست سوى لوحات كاريكاتورية ساخرة، لكن، أن يتم رسم الشخصية المغربية بهذه الصورة الغارقة في البلادة والتخلف ، فهذا لا يدخل في باب إضحاك الناس، بل يدخل في باب الضحك على ذقون الناس واستبلاد عقولهم، خصوصا عقول الأطفال الصغار.

    محمد الراجي
    Lesoir2006@gmail.com

  • الصوم والصلاة عبادة ماشي رياضة!

    1
    يحلو للبعض أن يحوّل القرآن الكريم إلى كتاب علمي، والحال أنه كتاب دين مقدس وليس كتاب علم. القرآن الكريم أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم كي يشرح للناس أمور دينهم، ولم يأت لشرح علوم الفيزياء والكيمياء وسائر العلوم الطبيعية والرياضية، لكن المسلمين، العرب منهم بالخصوص، يصرّون على جعل القرآن كتابا علميا، لدرجة أنهم أنشؤوا هيأة مكلفة بالبحث عن الاعجاز العلمي في القرآن، تضيع فيها مئات الملايين من الدولارات المستخرجة من آبار النفط الخليجية على "بحوث" يقوم بها أعضاء هذه الهيأة. هؤلاء ينحصر عملهم في مطالعة المجلات العلمية الغربية، وكلما أعلن أحد العلماء الغربيين عن اكتشاف نظرية علمية جديدة يسرعون إلى المصحف الكريم ويبحثون بين صفحاته إلى أن يعثروا على آية فيها تشابه بمضمون النظرية العلمية المكتشفة، فيخرجون على الناس في الجرائد وشاشات الفضائيات العربية ليقولوا للعام أجمع بأن النظرية المكتشفة سبق للمسلمين أن اكتشفوها قبل أربعة عشر قرنا من خلال القرآن الكريم، رغم أننا لم يسبق لنا أن اكتشفنا نظرية علمية واحدة على مرّ التاريخ!
    2
    في إحدى المرات كتب السيد زغلول النجار، الذي يرأس هيأة الاعجاز العلمي في القرآن، عن الآية التي يقول فيها الله تعالى: "مثلُ الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا". وقال بأن هذه الآية فيها إعجاز علمي فريد، بعدما اكتشف العلماء في الغرب أن أنثى العنكبوت وحدها التي تنسج خيوط أعشاشها، بينما الذكر لا يفعل ذلك، ومع أن هذه الآية قرأها السيد زغلول النجار مئات المرات إلا أنه لم يستطع التوصل إلى كشف هذه المعلومة العلمية، وظل ينتظر إلى أن اكتشفها الغربيون. المثير في الأمر هو أنه لم يمض سوى وقت قليل على كلام الرجل حتى خرجت دكتورة مصرية لتشرح له أن تلك الآية الكريمة ليس فيها أي إعجاز علمي، بدليل أن الله سبحانه وتعالى قال: "كمثل العنكبوت اتخذت بيتا"، لأن كلمة "عنكبوت" التي قدمت هنا بصفة أنثى، مثل كلمة نملة ونحلة وحشرة لا يوجد مرادف مذكّر لها، هكذا بكل بساطة. لكن السيد زغلول لم ينتبه إلى هذا الأمر، وارتكب خطأ كبيرا، فقط لأنه أراد أن يواجه علماء الغرب غيرْ بالفم!
    3
    ومع مجيء كل رمضان، يغتنم البعض الفرصة للزجّ بالدين في أتون العلم، هكذا لن تعدم من يقول لك بأن للصوم فائدة عظيمة على الصحة العامة للجسد، رغم أن الهدف الأسمى من فرض الصوم على المسلمين هو تطهير النفس والرقي بها إلى مراتب عليا من التقوى. "كتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون". صدق الله العظيم.
    وحتى الحديث الذي يقول صوموا تصحوا، قد يكون المقصود هنا صحة النفس وليس صحة البدن. ثم إن الله تعالى أعفى المجانين من الصوم ولو كانت أبدانهم قوية.
    فلو كان الصيام يساهم في الرفع من جودة صحة الانسان كما يزعم البعض، لما رأينا كل هذا الكسل والخمول يعمان العالم الاسلامي طيلة الشهر الكريم، حيث يشتغل العمال والموظفون بتكاسل بيّن، لأن أجسادهم تنقصها الطاقة، لدرجة أن لاعبي المنتخبات العربية الذين خاضوا مباريات تصفيات كأس العالم وإفريقيا خلال نهاية الأسبوع الماضي في البلدان الافريقية ذات الطقس الحار أفطروا رمضان حتى يتسنى لهم خوض المباريات في كامل لياقتهم البدنية.
    وإذا كان الهدف من الصوم هو جعل المعدة فارغة حتى يستردّ الجسم عافيته فلماذا لا يأذن الله لنا بشرب الماء الذي يعلم الجميع أنه ضروري للجسد.
    إن الهدف من الصيام هو أن يرتقي الانسان بنفسه في درجات التقوى، الجوع الذي تحس به يحفزك على الشعور بمعاناة الفقراء والمساكين وذوي البطون الجائعة، حتى إذا ما مدّ إليك أحدهم يده تكون معه سخيا كريما. "وأما السائل فلا تنهر".
    والامساك عن شهوة الفرج تحثك على أن تحصّن نفسك من الوقوع في فاحشة الزنا طيلة أيام وشهور السنة التي تفصل بين رمضان ورمضان. لكن البعض يريد أن يُخرج الصيام عن سياق العبادة ويدخله في المجال الطبي، حتى أن طبيبة مصرية كتبت قبل أيام في إحدى الصحف المصرية أن الصوم يعالج جميع الأمراض الجلدية، دون أن تقدم ولو دليلا واحدا على كلامها الذي لا يقبله المنطق والعقل السليم!
    4
    نفس الشيء ينطبق على الصلاة التي يسعى البعض لتحويلها إلى رياضة. هؤلاء يقولون بأن الصلاة تساهم في تحريك عضلات الجسد، ومن يصلي فكما لو أنه يقوم بحركات رياضية، من أجل تشجيع الناس على الصلاة، لكن النتائج تكون عكسية، فالذي يريد ممارسة الرياضة يستطيع أن ينام إلى أي وقت في الصباح، قبل أن يذهب إلى قاعة الرياضة، بينما الصلاة تفرض عليك أن تغادر فراش النوم مع أذان الفجر، وتحرم نفسك من لذة النوم، امتثالا لأمر الله تعالى، لذلك فالذي يعتبر الصلاة مثل الرياضة يمكن أن يتعب ويترك الصلاة في أي لحظة، بينما الذي يصلي بعيدا عن كل هذه الحسابات العلمية المغلوطة ولا يرى أمامه عندما يقف على السجادة سوى تلك الآية الكريمة التي يقول فيها الله تعالى: "وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون"، لا يمكنه أبدا أن يتعب من الصلاة ولا من الصيام، حيتْ عارف داكشي اللي كايدير ما كايديروش بالجّميل، وإنما بزز منو يديرو. فالمنطق الذي يحكم علاقة المؤمن بالعبادة في نهاية المطاف هو الرغبة في الفوز بمقام في الجنة والنجاة من النار، بعيدا عن كل هذه الحسابات الخاوية!


    محمد الراجي
    Lesoir2006@gmail.com

رشحنا في دليل سفنتي للمواقع العربية

اعلان

صوت وصورة

الخروج من فم الثعبان