-
نهاية التاريخ..المغربي
تحدث (فرانسيس فوكوياماFrancis Fokoyama) الكاتب الأمريكي الياباني الأصل عن نهاية التاريخ "the end of history" في كتابه الذي يحمل نفس العنوان، وخلاصة ماذهب إليه في نظريته الغريبة هو أن الديموقراطية الغربية انتصرت بعد دفن الشيوعية الماركسية وسقوط الإتحاد السوفياتي فانتصر الغرب ،فلاجديد بعد جديد سقوط الشيوعية الماركسية وانقسام الإتحاد السوفياتي وموالاة الأنظمة الشرقية للغرب بعد أن كانت تابعة للمنظومة الشيوعية.فإذن لا جديد،وباب التاريخ مغلق ! أغلقه فوكوياما وأحكم إغلاقه !! وقال : ليس هناك إيديولوجيا أو عقيدة يمكن أن تحل محل النظام الديموقراطي المهيمن ! لا الملكية ولا الشيوعية ولا الفاشية ولا غير ذلك..وحتى الذين لايؤمنون بالديموقراطية سيضطرون إلى التحدث بلغة ديموقراطية لتبرير انحرافهم وديكتاتوريتهم وتسلطهم..واسثنى فوكوياما الإسلام من هذا الحكم واعتبره دينا متجانسا منتظما وله جاذبية،لكنه يرى أنه من الممكن غزو العالم الإسلامي بأفكار "تحررية" وليبرالية ستجد لها مؤيدين بين المسلمين ! نظرية فوكوياما لا تعدو أن تكون مجرد توقع في أحسن الأحوال إن لم نقل أنها حلم ! كذلك قال (هتلر)حين تحدث عن "الرايخ الثالث" الذي سيعيش ألف عام! وكذلك توقعت الماركسية حين تحدثت عن انتصار "اليوتوبيا utopia" وحلول النظام الشيوعي في العالم كله ! فإذا بالشيوعية تموت في ظرف قياسي عقودا من الزمن بالنسبة لنظام ودولة،في عمر إنسان لم يطل بقاؤه! وحتى الحياة التي عاشها الناس في ظلها كانت بائسة فقيرة محرومة ولايخفى التاريخ الدموي والإرهابي للشيوعية ! وكذلك فلسفة "شبنجلرSchpengler" عن انهيار الغرب. كل هذا لايملك مقومات النظرية العلمية ولا يتعدى الأحلام كما قلت،وهو رأي المحللين والكتاب بعد صدور كتاب فوكوياما واعتبروا طرحه في غاية السذاجة.
غير أن فوكوياما ربما تدارك الأمر في كتابه الأخير " بناء الدول" حين تحدث عن أسباب فشل الدول،فكأنه تراجع عن نظريته..
وأنا أتأمل قليلا قلت في نفسي لو أن صديقنا فوكوياما لو أضاف صفة "المغربي" لنظريته ربما لقيت استحسانا وقبولا..والحقيقة أنه سيكون من الصعب وصف نظريته حينذاك بالساذجة ! انطرحت علي مجموعة من الإشكالات من قبيل : المواطنة والديموقراطية في المغرب،والوحدة الوطنية والترابية، والهوية والخصوصية،والثقافة والمعرفة،والدين والأخلاق واللغة..كلها أسئلة حضارية! بمعنى لاقيام لحضارةحقيقيةدون هذه المقومات المادية والنفسية والرحية،ولاوجود لبلد قادر على مجابهة التحديات بغيابها..تساءلت : هل المغرب مغرب فعلا وواقعا ؟ أم أن مغرب اليوم لايتعدى مجرد كونه رقعة جغرافية محدودة تضم الأضداد، كما قال أبو العلاء المعري : رب لحد قد صار لحدا مرارا / ضاحكا من تزاحم الأضداد..وحين أقول الأضداد فالمعنى فكرة صراعية لا اختلافية تنوعية ! فما يتعلق بالمواطنة والوطنية لايعدو كونه كلاما يلوكه أصحاب سياسة "العام زين" لايتعدى الأفواه،فالمواطنة تشترط الحقوق،أو لنقل إن العلاقة بين المواطنة والحقوق علاقة سببية،والسبب أقوى من الشرط،ثم هل المسؤولون أنفسهم مواطنون وطنيون يحملون هموم هذا الشعب أم هم مجرد قراصنة يحلبون البلاد ويمسحون القصعة؟!كم من المغاربة يسخطون على بلادهم "وطنهم"؟في الإنتخابات جواب.. أماالديموقراطية في المغرب فالواقع أبلغ من الكلام،فإذا كانت الديموقراطية أصالة تعرف اختلالات جوهرية حتى في البلدان الأكثر ديموقراطية فمن باب الأولى أن لايتحدث عن الديموقراطية المستوردة لأن اختلالاتها أشد ! أما عن الوحدة الوطنية والترابية،فملف الصحراء لايزال مشكلا رغم طرح مبادرة الحكم الذاتي، والنعرات الإثنية في هذا البلد موجودة رغم محدوديتها،تيار"أمازيغي" متسيس يريد تأسيس دولته المزعومة و"التحرر" من المستعمر العربي الإسلامي،وهو شئ لم يفعله اليهود المغاربة أنفسهم،وقد يفعلونه في المستقبل حين يرون أن كل جماعة إثنية تريد أن تستقل عن الإستعمار والإحتلال العربي الإسلامي ! ثم يتحدثون عن الهوية والخصوصية وأقول أنه لم تعد لدينا لاهوية ولاخصوصية فانظر إلى المنازل والبنايات وإلى ألبسة الشباب والشابات وإلى سلوكاتهم واهتماماتهم...لا أحد يكثرت بالخصوصية! نحن نعيش تيها واستلابا واللغة ذات الحمولة النفسية والفكرية غير موجودة ! ما يتحدث به المغاربة هو مزيج وخليط بين اللهجة العامية وكلمات من هذه اللغة وتلك إلا العربية الفصحى وللكلمات والألفاظ خصوصية حضارية ! أي خصوصية لإنسان مستلب مشيأ مختزل في كائن استهلاكي إشهاري يعيش على نمط حياة الغالب في أدنى مستوياتها المادية والأخلاقية ! والثقافة التي نراها اليوم هي ثقافة اللهو والمهرجانات الفوضوية الهابطة والمجون وبيع الهوى والمخدرات والذعارة والرقص والتأسي بكل مهرج ومهرجة وبهلوان وبهلوانة من "الفنانين والفنانات"! فما نقول بعد أن تحولت دور المعرفة نفسها إلى دور لترويج الإباحية والمخدرات وشتى أصناف المنتنات؟! ماذا نقول حين يذكرنا الإعلام الغربي في سياق الذعارة والإباحية والسياحة الجنسية يقول عنا إن المغرب ينافس التايلاند؟! والدين والأخلاق ذهبت مع الريح ولم تنفع كل هذه التنظيمات والمؤسسات أمام بطش الحداثة المادية ومكر الفجور السياسي الذي استولى على الإعلام والمؤسسات ! الدين نفسه تابع للسياسة،ومن يسمون بالعلماء رسم لهم الحيز الذي لاينبغي تجاوزه،هذا الحيز هو استنكار المنكر ولكن بقلب!
فوكوياما تحدث في" بناء الدول" عن أن أسباب فشل الدول يكمن في عدم تفعيل المؤسسات وفي تدهور الدول الطرفية..بمعنى أن الدولة تنتهي بفقد مقوماتها..ولكل دولة مقوماتها الخاصة قد تشترك فيها مع غيرها ! عدم تفعيل آليات الإسلام واستصلاح المستورد بما يتوافق مع مبادئ هذا الدين المنتظم والمنسجم حسب تعبير فوكوياما وإيلاء المعرفة والثقافة أولوية وأهمية باعتبارهما شرطا للوعي و للتقدم ،وإعادة الإعتبار للغة العربية الفصحى اللغة الحية التي تتفوق بخصائصها..وتسخير الإعلام لنشر الوعي وخدمة قضايا البلاد والتعبير عن تطلعات المجتمع وآماله وآلامه بدل الإسفاف والتضليل الذي تمارسه في الغالب..آنذاك يمكن أن يستدرك على نظريتي: نهاية التاريخ المغربي، لأتحدث بعدها عن "بناء المغرب" ! إنه بناء شاق يتطلب تغييرا جذريا شاملا مزلزلا،هذا هو الرهان والجهاد الأكبر الذي ينبغي للغيارى على هذا البلد أن يلتفتوا إليه..وهو الرهان الذي لايريد أعداء الوطن أن يقوم أحد بأعباءه فتراهم يشجعون كل صاحب فكرة عدائية نعروية ويغذونه..لقد كان التعليم المتدهور والجامعة الخربة سببا في تخريج أفواج من شباب ذوي تكوين ضعيف وفراغ معرفي وأخلاقي مهولين وعطالة وبطالة..وما أسهل أن تقنع شابا عاطلا محروما ثائرا فائرا بأي فكرة ويحقن بخطاباتها ويبرمج بأدبياتها !
إن الفرق بين نظرية فوكوياما "نهاية التاريخthe end of history" ونظريتي the end of morocco’s history" هو أن فوكوياما أغلق التاريخ العالمي كله وأنا خصصته بتاريخ المغرب، وهي تنطلق من واقعه المتأزم،والحقيقة أن هذه النظرية ليس خاصتي بل هي نظرية وطنية نسمعها من كل فئات الشعب بما فيها العجائز حين يقال بالدارجة : "المغرب مشا ،المغرب تباع،المغرب مفضي" فهي إذن نظرية لها من "التواتر المعنوي" مالها ! وهي نظرية واقعية وطنية مواطنة يروم أصحابها الرقي والإزدهار لهذا البلد،وتتقطع أوصالهم كلما رأوا هذا البلد يهوي !حفيظ المسكاوي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات: