-
كيف نقاوم التطبيع مع الصهاينة؟
"للأنظمة ضروراتها وللشعوب خياراتها"
العلامة محمد مهدي شمس الدين
هي خطوة مهمة وجريئة أقدمت عليها جماعة العدل والإحسان بالمغرب حين اقترحت وضع لائحة سوداء تتضمن أسماء المطبعين مع العدو الصهيوني ونشرها على أوسع نطاق ليتأكد للجميع أن هؤلاء ليسوا مغاربة وإن حملوا الجنسية المغربية وبطاقة التعريف الوطنية. لأن التطبيع – حسب رأي الجماعة- هو بمثابة عمل مناف لإرادة الشعب المغربي. هذه الخطوة التي أقدمت عليها العدل والإحسان تسعى إلى تعزيز صحوة مجتمعية ترجع الأمور إلى نصابها وتفضح من أسمتهم بـ " اللاهثين وراء التطبيع" مع العدو الصهيوني.
لا يمكن لأي مواطن شريف مسلم فضلا عن الإنسان بشكل عام إلا أن يثمن هذه الخطوة ويباركها، وهي صادرة من فصيل مغربي أصيل مشهود له بالمصداقية في القول والفعل، ولا نزكي على الله أحدا، يعتبر القضية الفلسطينية قضية الأمة المركزية، وأن عاصمة فلسطين الأبدية هي القدس الشريف، أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي قف إسلامي، تقع مسؤولية تحريرها على عاتق الأمة الإسلامية قاطبة، وهذا مبدأ، أو قل، عقيدة المسلمين التي تحدث عنها القرآن الكريم وبارك بمن حولها من الرجال والفتية القائمين لله، والمقاومين لأعداء الله، من الشرفاء الأحرار الذين صدقوا الله على ما عاهدوا عليه وما بدلوا تبديلا.
إن الذي يطبع مع العدو الصهيوني الظالم هو ليس إنسانا، بله أن يكون عربيا أو مسلما، فحرام..حرام..حرام.. على أي مواطن مغربي أصيل أن يضع يده بيد صهيوني وهو يلحظ تصاعد موجات الغضب، وحملات المقاطعة لهذا الكيان السرطاني تتزايد في كل أنحاء العالم على الصعيد الثقافي والأكاديمي والتجاري من قبل الكثير من المؤسسات على خلفية الاحتلال البغيض والمجازر المتواصلة التي ترتكبها العصابات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وكان آخرها ما حدث في الجارة الشمالية/ إسبانيا حيث تم منع وفد من جامعة" أرئيل" الصهيونية من المشاركة في مسابقة في إسبانيا خلال الشهر الماضي، وذكرت مصادر إعلامية صهيونية أن وزارة الإسكان الاسبانية عللت رفضها مشاركة الوفد الصهيوني بأن جامعة "أرئيل" في الضفة الغربية تعتبرها إسبانيا أرضا محتلة، وتعتبر هذي المبادرة الاسبانية استمرارا لمبادرات مماثلة اتخذتها دول ومؤسسات أوربية ضمن جملة المقاطعة التي يقودها الأحرار والشرفاء في العالم ضمن مؤسسات المجتمع المدني الأوربية ضد ممارسات الاحتلال، حيث سحبت شركات نرويجية وسويدية استثمارات لها من بعض الشركات التي ثبت أنها متورطة في بناء الجدار والمستوطنات، حرام..حرام..وحرام..أن نطالع ونلحظ قرار النقابات العمالية البريطانية تتجه إلى دعم مقاطعة بعض البضائع الإسرائيلية ردا على الهجوم على غزة، وتم فرض قرار المقاطعة الذي اتخذته هذي النقابات الحظر على استيراد السلع المنتجة في بعض المستوطنات وكذلك حظر تجارة السلاح وتوقف بعض الشركات عن الاستثمار فيها. وتجدر الإشارة إلى أن اتحاد النقابات البريطانية يضم 58 نقابة تمثل حوالي 6.5 مليون بريطاني، وحرام..حرام...حرام...أن نتابع ونقرأ عن أنه حينما قرر مهرجان تورنتو السينمائي إهداء دورته الحالية لمدينة تل أبيب ( واسمها الحقيقي تل الربيع)في الذكرى المئوية لإنشائها، بدعوى أنها مدينة تجسد التنوع الثقافي. وجدنا بعض الفنانين الشرفاء في الغرب يقاطعون المهرجان معلنين أن تل أبيب بنيت على العنف وتجاهل دورها الوحشي في تشريد آلاف الفلسطينيين من بلدهم الأصلي. فسحب المخرج الكندي جون نجريسون فيلما كان من المقرر عرضه في المهرجان، وكذلك فعل المخرج كين لوتش ودافي كلوفر والكاتبة ناعومي كلاين. لقد احتج هؤلاء على إدارة المهرجان واتهموها بالانحياز إلى إسرائيل، وأصدر 50 فنانا ومخرجا وكاتبا كنديا بيانا اعتبروا أن إدارة المهرجان متواطئة مع آلة الإجرام الصهيوني.
وفي 20 من شهر غشت كتب المفكر الإسرائيلي "نئيف كوردون" مقالا في جريدة "لوس أنجلس تايمز" مقالا بعنوان "قاطعوا إسرائيل"، وبنى دعوته إلى المقاطعة على أساس أن إسرائيل دولة تطبق نظاما عنصريا فظا، يضاهي النظام العنصري الذي عرفته جنوب أفريقيا إن لم يزد عليه. وخلص "نئيف" وهو أستاذ جامعي، إلى أنه لم يعد هناك سبيل لهزيمة ذلك النظام إلا بمقاطعة عالمية واسعة تفضح عنصرية إسرائيل وتضغط عليها، تماما كما حدث مع النظام البائد في جنوب أفريقيا.
إن صحوة الضمير العالمي التي يقودها شرفاء وأحرار العالم التي تتصاعد يوما بعد يوم تفضحنا نحن العرب والمسلمين، وتعري عن الوهن الذي يعترينا نحن الشعوب المسلمة، ونحن نتابع مشاهد تهويد القدس وطرد سكانها الفلسطينيين من بيوتهم وتسليمها إلى المستوطنين، واستمرار حصار غزة وتجويع أهلها ومنع إعمارها...فماذا فعلنا نحن كشعوب، ماذا قدمنا للقضية الفلسطينية سوى الخطابات والشعارات؟؟ لماذا اكتفينا بأن نكون"ظاهرة صوتية" بتعبير عبد الله القصيمي، ولم نحول أصواتنا إلى خطوات إجرائية وعمل ميداني، وورشات عمل تسعى إلى تعبئة طاقات الأمة، وتفعيل المخزون العاطفي والحضاري والقيمي وتنزيله عبر برامج وخطط عمل ترسخ ثقافة المقاومة.
إن الخطوة التي أقدمت عليها جماعة العدل والإحسان في فضح المطبعين اللاهثين وراء سراب السلام مع العدو الصهيوني هي مبادرة جريئة وواقعية وصادقة، هي خطوة في الاتجاه الصحيح، غير أنها غير كافية ولا يمكن أن نطالب العدل والإحسان أكثر من هذا، بالنظر إلى وضعها كما هو معلوم أولا، وثانيا أن العدل والإحسان هي جزء صغير من هذه الأمة، بمعنى أننا نأمل أن تلي هذه الخطوة المباركة خطوات أخرى تتأسس على السؤال التالي: كيف يمكن أن نقاوم التطبيع بالمغرب؟
صحيح أن الشعب المغربي وقواه الحية قدم الكثير لدعم صمود المقاومة الفلسطينية، وتأسست لجان وجمعيات من أجل فلسطين، غير أن هذي الجهود تبقى غير كافية، لأن قضية الأمة المركزية لا يمكن حصرها في المؤتمرات أو لجان رسمية كلجنة القدس مثلا أو لجان برلمانية وغيرها من الإطارات المعنية بالقضية. بل أكثر من هذا فالقضية الفلسطينية ليست مسؤولية دولة أو نظام معين،فقضية بل هي مسؤولية الأمة بأكملها، والدليل في هذا هو أن مصر بالرغم من مرور أكثر من ثلاثين سنة على معاهدة الصلح مع الصهاينة، فإن الشعب المصري ظل ممانعا لعمليات التطبيع، وكذلك فعلت الشعوب الشقيقة في الأردن وموريتانيا وباقي الدول الإسلامية، ما يعني أن المطلوب بالمغرب ليس أن ننتظر كل مرة جريمة أو مذبحة يقترفها الاحتلال حتى ينادي مناد للخروج للشارع فيخرج الناس للتعبير عن الغضب ثم يعودون للبيوت للتفرج على هذه الجرائم في التلفزيون والألم يعتصر القلوب، بل المطلوب اليوم هو استحداث لجان وإطارات شعبية أكثر قربا من المواطنين، وتأسيس جمعيات ثقافية تغطي التراب المغربي، في الحواضر والمدن والجبال والصحارى وفي كل بيت وحارة، وإحداث فروع وتنظيمات موازية تقوي المجتمع المدني بالمغرب وتعزز رهطه، وتقوم أداءه في اتجاه التعاطي الايجابي والمطلوب في مناصرة المقاومة، وكذا فضح المطبعين مع الصهاينة، لأن المشروع الصهيوني يعمل جاهدا على فصل المغرب عن عمقه الإسلامي والعربي وحضارته وثقافته وتاريخه المشترك، وهذه نقطة مهمة، برأيي، وجب استدراكها وملء الفراغ المهول الذي يستغله الأعداء، المطلوب حاليا إبقاء جذوة القضية مشتعلة في النفوس والقلوب، عبر تأطير ثقافي يرسخ ثقافة المقاومة والجهاد، وإنشاء مركز فكري ثقافي بالمغرب يهتم بالجانب الثقافي لصراعنا مع العدو الصهيوني، ويقوم بتنظيم مسابقات ثقافية تعنى بالقضية المحورية للأمة في الشعر والقصة والمسرح والإخراج...ويساهم أيضا في صناعة جيل من الصحافيين المعنيين بالقضية كأن تنظم مسابقة في أحسن تقرير أو تحقيق، حوار..إلى آخره من الأجناس الصحفية، ومسابقات أكاديمية في التاريخ والاقتصاد والسياسة والعلوم تفضح المشروع الصهيوني وتعري سوءته أمام الأجيال الصاعدة التي باتت تدرك القضية بشكل سطحي، ولا تعيها الوعي العميق الذي يؤول الحاضر ويفسر الماضي ويشرع للمستقبل كما كان الأمر مع الجيل السابق.
إن القضية الفلسطينية لم تعد قضية الأنظمة العربية، ولا يمكن لنا أن نطالبهم بذلك، فالمؤامرة باتت مكشوفة أمام الكاميرات، ومطروحة للملاحظة في البيوت والمقاهي والملاهي.. يعرفها العربي والعجمي.. فالأنظمة العربية، وكما لاحظنا في حرب تموز 2006 وحرب غزة 2009 ، تعمل "جاهدة" على تصفية القضية الفلسطينية وإغلاق ملفها بالكامل، إنني لا ألوم أي نظام عربي، بل العتب كل العتب على شعوبنا والقيادات الصادقة بصرف النظر عن الاختلاف في هذي النقطة أو تلك، ولا عتاب إلا مع الأحباب.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات: