-
محمود معروف يحطب في الحبل الصهيوني!!
محمود معروف هو صحافي معروف من أصل فلسطيني يقيم في المغرب منذ سنوات، وهو رجل محبوب من لدن جمهور واسع من المغاربة من مثقفين وطلبة وصحفيين..، وشرعية هذا الحب إنما هي مستمدة من حب المغاربة جميعا لقضية فلسطين العادلة، وشعبها العظيم المقاوم، بل إن الطلبة المغاربة في مؤتمرهم الثامن جعلوا القضية الفلسطينية قضية وطنية، ومنهم من يجعلها القضية المركزية للأمة، كما أن الشعب المغربي تجده دوما سباقا للتضامن مع الشعب الفلسطيني في مقاومته للعدوان الصهيوني المتواصل.
لكن هناك من يسيء إلى هذا التضامن والتعاطف مع شعبنا الفلسطيني العظيم، ومن قبل بعض الفلسطينيين أنفسهم، ولا عجب إن قلت بأن محمود معروف، وللأسف الشديد، وهو المثقف الفلسطيني والكاتب في صحيفة القدس العربي الرائدة، أول من يسيء إلى سمعة هذه الجريدة وكذا عدالة القضية الفلسطينية، مما يجعله يحطب في الحبل الصهيوني من غير أن يدري لما يقوم بتغطية أخبار من المغرب بشكل متحيز يرفد من المفاهيم الصهيونية وينسبها إلى فصائل سياسية مغربية هي من يحرك الشارع المغربي في كل وقفاته التضامنية مع الشعب الفلسطيني حين يتعرض أحبابنا في فلسطين الحبيبة لعمليات القتل الممنهج والمتواصل من قبل الصهاينة العنصريين والمحتلين للأرض والمزورين للثقافة والتاريخ .
محمود معروف حين يغطي أخبارا على صلة بالإسلاميين دائما تجده يصفهم بالأصوليين، وهو وصف قدحي في حق الإسلاميين المغاربة، لأنه من المفروض على الصحفي المحترف أن يكون محايدا في تغطيته للأخبار، وأن يسمي الأطراف بأسمائها، ولا ينبغي أن يصدر حكم قيمة في حق بعض المكونات الأصيلة في الساحة المغربية، وهو حكم ظالم، ولاشك، سبق لي شخصيا أن نبهت الأستاذ محمود معروف إليه وناقشته في الموضوع، ولا زلت أذكر عام 2002 استقبلناه رفقة الأستاذ خالد السفياني في مدينة مشرع بلقصيري، وكانت قاعة البلدية غاصة بالجماهير من كل الخلفيات والحساسيات الفكرية والسياسية والثقافية التي يزخر بها المغرب بشكل عام والمدينة على وجه الخصوص، وتشرفت أن كنت أحد المسؤولين على تنظيم هذا النشاط التضامني مع أهلنا في فلسطين، وفي آخر اللقاء نبهته إلى مغبة استعماله مصطلح الأصولية لأنه وصف قدحي، وقلت له : ها أنت ترى يا أستاذ أن أكثر من 75% من الحضور هو من الإسلاميين، فهل يطيب لك أن تسبهم وهم يقفون مع قضية شعبك ؟! كما أني أرسلت له رسالة عبر الفاكس عام 2004 ونبهته كرة أخرى، غير أن صاحبنا لم يرعو ولم يتبين من المصطلح وهو المثقف!!
كتب السيد محمود معروف مقالا إخباريا جريدة القدس العربي يوم 19-09-2009 حول استمرار الجدل بسبب محاولات شبان مغاربة للإفطار في رمضان، وذكر مواقف بعض الجمعيات المغربية المعنية بحقوق الإنسان، كما ذكر أيضا تصريحات بعض الأحزاب المقربة من القصر، ولما وصل لموقف حزب العدالة والتنمية قال بالحرف الواحد: "وانتقدت صحيفة 'التجديد' المقربة من حزب العدالة والتنمية الأصولي التغطية الإعلامية المبالغ فيها لحادثة منع الإجهار بالإفطار التي قامت بها وسائل الإعلام الاسبانية..."
فحزب العدالة والتنمية ليس حزبا أصوليا، ولا يعتبر نفسه أصوليا، بل حتى إسلاميا كما تابعنا في تصريحات لبعض قادته، بل يقول بأنه حزب مغربي ذو خلفية إسلامية وحسب، ولا أدي كيف سمح السيد محمود معروف لنفسه أن يصفه بهذا النعت القدحي والذي يرمي من ورائه إلى تسفيه مواقف أحد مكونات الساحة السياسية بالمغرب، اللهم إن كان يتعلق الأمر بغرض إيديولوجي فج في نفسه يطعن في حياده ككاتب صحفي مستقل لا ينتمي إلى أي حزب مغربي ذي خلفية يسارية متطرفة وخصيم لحزب العدالة والتنمية المغربي، ومع ذلك لا يسمح له كناقل للخبر أن يسئ لمن وقف مع قضية فلسطين دائما، ورأينا برلمانيي الحزب يزورون غزة وأطبائهم يشاركون في إسعاف الجرحى والمعطوبين من ضحايا الحرب الظالمة والجبانة على قطاع غزة !!
وبما أن السيد محمود معروف هو مثقف ولا شك، سنحاول أن نناقش معه مصطلح الأصولية المستمد من مراكز البحث المقربة من الصهاينة، حتى لا يكون وصفنا له بأنه يحطب في الحبل الصهيوني سبة وشتيمة وظلما بحق أستاذنا محمود معروف.
أولا، لا نجد في ثقافتنا العربية والإسلامية مصطلح الأصولية، كما يخلو تراث العرب والمسلمين وتخلو قواميسهم المشهورة من مصطلح الأصولية، وفي فكرنا العربي والإسلامي نقصد بالأصول القواعد الأصولية التشريعية التي استمدها علماء أصول الفقه من النصوص التي قررت مبادئ تشريعية عامة، وأصولا تشريعية كلية مثل: المقصد العام من التشريع، وما هو حق الله وحق المكلف، وما يجوز الاجتهاد فيه، ونسخ الحكم، والتعارض والترجيح...الخ. ولا علاقة لي منهما بمصطلح الأصولية كما وقر عند الكتاب الذي ينقلون من الغرب دون أن يتبينوا من خلفية المصطلح وعيوبه، بل وخطورته. فالأصولية عند الغرب منشأها إنجيلي مسيحي بروتستانتي التوجه، وأمريكي النشأة، انطلقت مع "الحركة الألفية" التي كانت تؤمن بالعودة المادية والجسدية للمسيح عليه السلام ثانية ليحكم هذي الدنيا.
بل إن الكثير من المستشرقين المنصفين يرفضون إطلاق مصطلح الأصولية على الحركات الإسلامية ، وعلى لسان هؤلاء يقول المستشرق الفرنسي "جاك بيرك" : " أنا أرفض تعبير، لأنه آت من النزاعات داخل الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية، هناك مسلمون(العامة)، وهناك الإسلاميون، الذين يشددون على قدرة الإسلام على إيجاد حلول مناسبة لمشكلات الحياة اليومية، وقدرته على بناء دولة ومؤسسات. وهؤلاء لا يقفون عند الطبيعة الدينية للإسلام فقط، هذه أطروحة من نسميهم الإسلاميين، إنها حركة تسعى إلى تقريب العالم العربي من منابعه.ولديهم خطابات تجعلهم مختلفين عن بعضهم البعض، لكنهم يلتقون في الدعوة للرجوع إلى الأصول، وبخاصة القرآن، ويدعون إلى إعادة تأصيل القرآن باعتباره قادرا على تقديم الحلول للمشكلات التي يطرحها العالم المعاصر، يطرحون ذلك في مواجهة المجتمعات التي وضعت نفسها منذ مائة عام في مدرسة الغرب ولم تحقق النجاحات المطلوبة.." فالمستشرق الفرنسي "جاك بيرك" يرفض رفضا قاطعا أن يطلق مصطلح الأصولية على الإسلاميين، وكذلك فعل مجموعة من المستشرقين منهم المستشرق الأمريكي" روجر أوين" و المستشرقة الاسبانية "كارمن رويث" والمستشرق الروسي " فيتالي ناعومكين" والمستشرقان الانجليزيان "هومي بابا" و " روبن أوستيل" ...الخ..الخ.
أما المثقفون الصهاينة المقربون من اليمين الديني والمحافظين الجدد في أمريكا، فقد سخروا أقلامهم من أجل شيطنة الحركات الإسلامية قصد تبرير الهجمة الأمريكية على الإسلام وديار المسلمين، وهي الهجمة التي أعلنها الرئيس الأمريكي السابق بوش الصغير وسماها بالحملة الصليبية، ووصف فيها الإسلام بالفاشية، فهؤلاء الكتاب يصرون على إطلاق مصطلح "الأصولية" على الحركات الإسلامية، لا لشيء إلا لرفضها ثقافة التغريب والحداثة الغربية الاستهلاكية ونمط الحياة الغربية، ومقاومتها للاحتلال الأجنبي بشكل عام والأمريكي على وجه الخصوص، وفي هذا السياق كتب الصحفي الأمريكي الصهيوني "توماس فريدمان" إبان الغزو الأمريكي لأفغانستان سنة 2001 يقول: " إن الحرب الحقيقية في المنطقة الإسلامية هي في المدارس، ولذلك يجب أن نفرغ من حملتنا العسكرية ضد ابن لادن بسرعة ونخرج..وعندما نعود من أفغانستان، يجب أن نكون مسلحين بالكتب، لا بالدبابات، وفقط عندما تنمو تربة جديدة، وجيل جديد، يقبل سياستنا، كما يحب شطائرنا، سيكون لنا في المنطقة الإسلامية أصدقاء..."
ويقول المفكر الاستراتيجي الأمريكي "فوكوياما" : " إن العالم الإسلامي يختلف عن غيره من الحضارات في وجه واحد مهم، فهو وحدة ولدت تكرارا خلال الأعوام الأخيرة حركات أصولية مهمة، لا ترفض السياسات الغربية وحسب، وإنما المبدأ الأكثر أساسية للحداثة..العلمانية نفسها..وغنه بينما تجد شعوب آسيا وأمريكا اللاتينية ودول المعسكر الاشتراكي السابق وأفريقيا الاستهلاكية الغربية مغرية، وتود تقليدها لو أنها استطاعت ذلك، فإن الأصوليين المسلمين يرون في ذلك دليلا على الانحلال الغربي..وأن الصراع الحالي ليس ببساطة معركة ضد الإرهاب...ولكنه صراع ضد العقيدة الإسلامية الأصولية الفاشية الإسلامية التي تقف ضد الحداثة الغربية...,إن التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هو أكثر من مجرد معركة مع مجموعة صغيرة من الإرهابيين، فبحر الفاشية الإسلامية الذي يسبح فيه الإرهابيون يشكل تحديا إيديولوجيا، هو في بعض جوانبه أكثر أساسية من الخطر الذي شكلته الشيوعية..وعلى المجتمع الإسلامي أن يقرر فيما إذا كان يريد أن يصل إلى وضع سلمي مع الحداثة الغربية..."
أما "صمويل هنتجتون"، فهو يعلن عن ذات الأهداف، أهداف اليمين المسيحي المتصهين والمحافظين الجدد فيقول: " إننا نريد حربا داخل الإسلام حتى يقبل الإسلام الحداثة الغربية..والعلمانية الغربية..والمبدأ المسيحي فصل الدين عن الدولة"
واضح أن اليمين المسيحي المتصهين يطلق مصطلح الأصولية على الحركات الإسلامية من أجل شيطنتها وتسفيه جهودها في المحافظة على الثقافة الإسلامية السامية والراسخة في قلوب عامة المسلمين، وكذا مقاومتها للاحتلال الأجنبي ووقف مخططاته الجهنمية كما يفعل المقاومون في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين.... ألم أقل إن محمود معروف يحطب في الحبل الصهيوني ؟؟!!
ختاما أود أن أقول: إنني لم أدافع على حزب العدالة والتنمية المغربي، ولم أهاجم أستاذنا محمود معروف، غير أن قضية فلسطين بالنسبة لي هي أكبر من محمود معروف ، وأكبر من حزب العدالة والتنمية، وأن فلسطين تحتاجنا جميعا من أجل تكثيف جهود الأمة كلها بصرف النظر عن القناعات والميولات والحساسيات، وحتى موقف بعضنا من البعض، إن فلسطين هي التي تجعل الشارع العربي والإسلامي يتكلم لغة واحدة نابعة من قلوب صادقة ومكلومة عما نشاهده ونتابعه من مشاهد الدمار والقتل والتهجير وتزوير الثقافة والتاريخ والحضارة... رجاء أيها المثقفون كونوا في مستوى شعوب أمتنا، بل في مستوى أطفالها...في مستوى "المفكر الفلسطيني الكبير" الطفل أحمد زايد..!!
يا أستاذ محمود رجاء!!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات: